السبت، 9 يونيو 2018

حي على بلدنا

حي على بلدنا
===






أمسية شعرية غنائية لوالد الشعراء فؤاد حداد 
 =========================إعداد : الشاعر أمين حداد 
إعداد بديع لشاعر إبن شاعر ،بل إبن "الشاعر" وحامل مفاتيح أسرار أشعاره ،فجاءت الاختيارات والإعداد على أكمل وأجمل مايكون ،وهل ينبئك مثل خبير .
الإخراج : للمخرج الكبير أحمد إسماعيل الذي يفصح إخراجه للعمل عن مدى عشقه وفهمه لما يعنيه إسم فؤاد حداد وما تمثله أشعاره فانعكس ذلك على كل عناصر العرض من إضاءة وحركة ممثلين و الهارموني البديع بين الإلقاء والغناء وكل عناصر العرض التي انصهرت جميعها في بوتقة صنعها المخرج ببراعة ففجرت كل طاقات طاقم العمل ورأينا أشرف عبد الغفور ومفيد عاشور وعهدي صادق في أروع حالات التجلي والألق ، إلى جانب الأداء المبهج للفنانة رحاب رسمي.
أما البلبلان المغردان للعرض الفنان محمد عزت ذلك المطرب راسخ القدمين ، والصاعدة الجميلة نهال خالد فقد دخلا في مباراة من الأداء الواعي الجميل الذي يطرب ويفسر في آن معا .
الأطفال المبدعون : فرح وأحمد وهنا وإسماعيل كانوا بهجة العرض ورسالة واضحة تؤذن بتسلم حتى أصغر الأجيال الناشئة راية أشعار فؤاد حداد وعلى طريق تحقيق نبوءته الشهيرة : "ألفين سنة ويفضل كلامي جميل" ، وإن كنت أرى أن "كلام" فؤاد حداد سوف يظل جميلا مادامت الحياة وليس لمدى ألفين سنة فقط.
شكرا للمايسترو الهاديء البارع د.صابر عبد الستار ولفريقه الموسيقي وللكورال الجميل الذي ازدانت به بناوير المسرح القومي العتيدة فشدا وأشجى وكان ملح العرض.
في براعة السهل الممتنع جاءت بصمات العملاق ناجي شاكر الذي قام بالإشراف الفني على الملابس فجاءت على أجمل مايكون ببساطة ودون أي صخب بصري ، ولعل أجمل تجليات ذلك ظهرت في ملابس الفنان عهدي صادق التي جاءت متممة لأداءه العبقري الذي جاء بمسحة "شابلنية" بديعة أنتجتها الموهبة التي زادتها السنون والخبرة تأججا وبريقا .
وكذا ملابس الفنان أشرف عبد الغفور وألوانها المنتقاة بعناية لتبرزه بصريا منذ الوهلة الأولى وطيلة زمن العرض مؤكدة على قيادته البارعة للأداء فكان أشبه بالمعادل الموضوعي للمايسترو صابر عبد الستار .
وقفة أشرف عبد الغفور على خشبة المسرح القومي في هذا العرض ،أداءه ،حركته ،خطوات قدميه،نبرات صوته،وعيه بما يلقيه من درر شعرية ...كل ذلك أعاد للمسرح القومي الكثير من اعتباره على يد واحد من أعز أبناءه ،بل أننا في هذا العرض نكتشف في الفنان الكبير أشرف عبد الغفور ،وبعد كل هذه العقود من الإبداع،نكتشف فيه طاقات غنائية لاتخطئها الأذن ، وهنا علينا أن ننحني احتراما للمخرج المستكشف والمتحدي أحمد إسماعيل على هذه المفاجأة الجميلة والشجاعة.
أما الفنان الكبير أيضا مفيد عاشور فلطالما كان مجيدا منذ كان طالبا بالمعهد وعلى مدار رحلته الفنية ، واليوم ومن خلال هذا العرض يلقي مفيد عاشور بقفاز الإجادة التي تبلغ حد التفوق على النفس، يلقي به في وجه المخرجين والمنتجين والنقاد الذين لم يضعوا مفيد عاشور حتى الآن في المكانة التي تليق به !
هي ليلة بديعة بكل المقاييس ،وتوجها تكريم إسم مولانا فؤاد حداد على يد الفنانة إيناس عبد الدايم بتسليم درع لأكبر أبناءه الشاعر سليم حداد وإلقاء كلمة مهذبة متواضعة تليق بفنانة كرمت فيها إسم والد الشعراء بل واعتذرت عن تأخر هذا التكريم كثيرا .
شكرا لكل من ساهم في صنع هذا العرض البديع ،وأول من يستحق الشكر هي روح فؤاد حداد كاتب كل هذه النصوص الشعرية أو "السحرية" التي بني عليها العرض .
وشكر خاص وجزيل للفنان الموهوب الجميل يوسف إسماعيل مدير عام المسرح القومي على كل هذا الجهد وكل هذا الفهم .
=====
فقط أمران خارج إطار العرض عكرا ولوقليلا صفو هذه الليلة البديعة ،أمران أولهما مستجد ،والآخر مزمن ،أما المستجد فهو تلك التجديدات الإنشائية التي طرأت على المسرح القومي دون مراعاة لطابعه المعماري الأصيل والبديع إذ جاءت مبالغة في "الحداثية " فبدا الأمر وكأن سفينة فضائية ما قد هبطت ملاصقة للمبنى العريق ،أو ورم خبيث نبت في وجه مليح !
أما الأمر المزمن فهو ذلك البحر العرمرم من العشوائية والابتذال التجاري و"المواصلاتي" الذي يحاصر منذ عقود واحة الجمال المتمثلة في المسارح الثلاث القومي والطليعة والعرائس ومعهم حديقة الأزبكية العريقة ونادي السلاح المصري .
هل نحلم بيوم نرى فيه هذا المحيط كله وقد أعيد تنظيمه من منطلق جمالي بحت ودون أي نوايا "إستثمارية" ،وكذلك دون أية نظرة فوقية أو ميول سلطوية إنتقامية تجاه أولئك الساعون إلى الرزق الحلال لكنهم ،جهلا وفقرا واضطرارا، يصنعون كل هذا القبح والعشوائية ..
هل لنا أن نحلم ؟ ربما !!!
طارق فهمي حسين 

٤ يونيو ٢٠١٨