الاثنين، 14 يناير 2019

الشمندر وحيلة خالد الخميسي !

                                                      الشمندر وحيلة خالد الخميسي   !                                                       
============ 

إنتهيتُ بالأمس من قراءة رواية "الشمندر " وكُنتُ أتصور أنني سوف أجلسُ فوراً لكتابة رأيي ، لكن الرواية - بحق - أجهدتني تماماً حتى أنني إحتجتُ لبعض الوقت لاستعادة نفسي واسترداد وجداني من أجواء الرواية وعالم شهاب الشمندر.
الرواية كما يستدرجنا مؤلفها تزعُم أنها تتعلق بالسيرة الذاتية للفنان التشكيلي شهاب الشمندر ، لكن بعد أن يتوغل القاريء في عالم الشمندر يجد أنه يلتقي في كُل رُكن وذكرى بشخص يعرفه ،أو شخص قابله ولو مرة في الواقع ، كما يلتقي الواحد منا داخل هذه الرواية أكثر من مرة بنفسه وجهاً لوجه ، وفي مراحل مُختلفة من العُمر !
لعبةٌ ماكرة مارسها خالد الخميسي في هذه الرواية ، وأفلحت أيما فلاح ، ، أيضاً المستوى غير المحدود للبوح والتصريح لا التلميح في هذه الرواية قد يصدم القاريء المُتحفظ ، لكنه يتسق تماماً مع تفاصيل شخصية بطل الرواية سواء لكونه فناناً تشكيلياً جانحاً سيرياليُ النزعة ، أو على مستوى نشأته إجتماعياً وثقافياً وتعليمياً ، كما يتسق مع دائرة الشخصيات المُحيطة بها وجذورها متنوعة الأعراق والثقافات.
القارىء المُتحفظ ( وهذا ليس وصفاً سلبياً بالمُناسبة) قد يستهجن الكثير من سلوكيات بطل الرواية ، ويتخذ منه موقفاً سلبياً ، لكننا حين نصدقُ أكثر مع أنفُسنا ، خاصة حين تتقاطع ذكرى أو أُخرى من ذكريات شهاب الشمندر مع بعض المسكوت عنه من ذكرياتنا وتجاربنا الحياتية الشخصية ، نجد أنفُسنا مُضطرين لابتلاع حُكمنا الأخلاقي على بطل الرواية إلتزاماً بتوجيه السيد المسيح عليه السلام : " من كان منكُم بلا خطيئة فليرجُمها بحجر "
أعجبني جداً - على مستوى السرد - التنقُل في الزمن بحُرية تامة للأمام وللخلف دون تقيُد بتسلسُل وتوالي أوراق الأيام المُتساقطة من نتيجة الحائط ، وهو الأمر الذي يتسق تماماً مع تداعي ذكريات بطل الرواية وهو يُراجع حياته و آثامه ومُنجزاته الفنية أيضاً وهو يتأهب للرحيل
فقط أتحفظ على أن هذه الرواية رُبما تكون مكتوبة للقاريء المُثقف بأكثر من كونها موجهة للقاريء العادي ، لكنها تظلُ في مُتناول كُل مُحب للرواية بشكل عام حيثُ تتمتع رواية الشمندر بالعناصر الأساسية من قُدرة على "التسلية " والتشويق " والتعاطُف أيضاً مع الشخصيات في أكثر من موضع .
الكاتب خالد الخميسي في هذه الرواية ينتقل - مُجرباً - إلى مرحلة جديدة ومستوى جديد أيضاً كروائي ، وأظنه قد نجح في ذلك إلى حدٍ بعيد ، وإن كُنت أتمنى عليه أن يُفسح مساحة أكبر للقاريء البسيط العادي، ورُبما "المُتحفظ " أيضاً في قادم أعماله ، والتي بالتأكيد بعد قراءاتي المُتتالية لكُل ما أبدع ، أنتظرها - بشوق أكيد.

                      طارق فهمي حسين
١٤ يناير ٢٠١٩