السبت، 30 نوفمبر 2019

٠٠٠ كُنتُ سادسهُم.

٠٠٠ كُنتُ سادسهُم.




#ومضة_من_الذاكرة:
مُنذ يومين قرأتُ منشوراً على الصفحة الجميلة بالفيسبوك : Classic  يُذّكر بسلسلة " المُغامرون الخمسة" الشهيرة، فومضت في ذاكرتي مشاهد:
في عام ١٩٦٩ أو ١٩٧٠، لا أتذكر علي وجه التحديد إتصل الأُستاذ مُنير حافظ مُدير مكتب وزير الإعلام بوالدي الكاتب الصحفي فهمي حسين، ودعاه لمكتبه ليُخبره بقرار الوزير محمد فائق بانتدابه من عمله  بمجلة روزاليوسف ليعمل مُستشاراًَ لتحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، وكان رئيس تحريرها الكاتب والصحفي محمود سالم مؤلف سلسلة المُغامرون الخمسة، وهي السلسلة التي لاقت نجاحاً عظيماً وشعبية كبيرة على مدار أجيال من النشء ، وربما كان جيلي هو أول تلك الأجيال بحُكم تزامُن الانطلاقة الأولى للمُغامرين الخمسة مع نشأتنا .
في أحد أيام العُطلة المدرسية اصطحبني أبي معه إلى مكتبه بمجلة الإذاعة والتلفزيون، وكعادته كان يُقدمني لزملائه وزوار مكتبه بصفتي المُستقلة أولاً: طارق - تلميذ بالابتدائية - رسام هاوي وقارىء جيد... إبني الكبير!
وكان من حظي في ذلك اليوم أن التقيت بالأُستاذ محمود سالم الذي استقبلني ببشاشة وود كبير، وسألني إن كُنت أقرأ " المُغامرون الخمسة" ؟ فأجبت بالنفي وبأنني أسمع الإسم للمرة الأولى، فمد يده في حقيبة جلدية وأخرج كتاباً صغيراً وأمسك بقلمه وكتب لي إهداءاً رقيقاً قبل أن يناولني الكتاب ، حين أمسكت بالكتاب ذو الغُلاف الجذاب والقطع المُحبب في اليد لاحظت أن هذا هو العدد الثالث من السلسلة، فظهر على وجهي الإحباط وسألته عن العددين السابقين، ومن أين يُمكن أن أحصل عليهما؟ فتهلل وجهه لاهتمامي ووعدني بأن يُرسل لي مع أبي العددين ،كما وعدني أبي بالمُداومة على تزويدي بقادم الأعداد، والتي كانت تصدر شهرياً.
حين عُدت إلى البيت لم أشرع فوراً- كعادتي - في قراءة الكتاب، وذلك انتظاراً لوصول العددين السابقين أولاً، فتلك كانت- ومازالت - عادتي في القراءة، الالتزام بالترتيب حتى في نفس الكتاب: دواوين الشعر ، ومجموعات القصص القصيرة...إلخ ، لا أسمح لنفسي بمُخالفة الترتيب الذي اختاره المُبدع وارتضاه لكتابه، حتى وإن سمحت طبيعة الشعر والقَصص القصير بذلك، فيقيني مُنذ الصِغر أن الكاتب بذل جهداً ما، ويملك حكمةً ما في ترتيب ما يكتُب، وأنني إذا خالفت هذا الترتيب في قراءتي، فسينطوي هذا،أولاً، على عدم احترام للكاتب، وهذا أمرٌ لا يليق ، وثانياً سأكون أنا - كقارىء- الخاسر الأساسي إذ ستفوتني الحكمة التي انطوى عليها هذا الترتيب.
ظللتُ بقية اليوم أتحرّقُ شوقاً لقراءة اللُغز، أروح وأجىء لأُمسك بالكتاب، أتفحص غلافه، والغُلاف الخلفي مُتفحصاً رسوم الشخصيات والأسماء المكتوبة تحتها، وأفتح الغُلاف لأقرأ الإهداء الرقيق الذي خصّني به الأُستاذ محمود سالم، ولا أجرؤ على أكثر من ذلك...
لم يطل انتظاري إذا عاد أبي من "المجلة" في اليوم التالي مُباشرة ومعه العدد الأول والثاني مصحوبان بتحية من الأُستاذ محمود ، وإهداء جديد أكثر رقة ووداً على العدد الأول: لُغز الكوخ المُحترق" حسب ما أتذكر...

انكببت على قراءة اللُغز تلو الآخر الأمر الذي سحبني إلى داخل عالم الصبية الخمسة أبطال المُغامرات حتى صرتُ سادسهم، أو هكذا ظننت في ذلك الوقت، وعشت مع عالم "المُغامرون الخمسة" على مدار سنوات صدور السلسلة.
***
في سنوات الثمانينيات والتسعينيات جذبني حُب فن التمثيل، والتحقتُ بالقسم الحُر بالمعهد العالي للفنون المسرحية- قسم التمثيل ، وخُضت بعض تجارُب التمثيل على مُستوى الهواية والاحتراف معاً، وفي إطار طرق أبواب البحث عن فُرص لمُمارسة هوايتي الجميلة علمت أن المُخرج أشرف سالم ( وكان وقتها مُساعداً للإخراج) هو إبن الأُستاذ محمود سالم صديق طفولتي وكاتبي المُفضل لسنوات، فطلبت من أبي أن يتصل بالأُستاذ محمود سالم ليُعرفني بإبنه، وكالعادة تململ أبي من طلبي مُستنكراً لجوئي للوساطة، حتى لوكانت وساطته الشخصية لدى صديق وزميل له.
- ماتكلمه انت، هو مش كان صاحبك انت كمان؟
- يا بابا الكلام ده من ميت سنة، وبعدين أنا ما عنديش وسيلة اتصال به.
 - خلاص إكتب رقم تليفونه:......
اتصلت بالأُستاذ محمود سالم، وما أن ذكرت له اسمي ثُلاثياً حتي انطلق مُرحباً بحرارة:
- أهلاً أهلاً أهلاً
- ...
- طبعاً فاكرك ، حد ينسى واحد من قُرائه الأوائل ؟!
.....
ضرب لي الأُستاذ محمود سالم موعداً في اليوم التالي مُباشرةً في مكتبه الشخصي في ٢ - أ -شارع طه حسين بالزمالك( حسب ما أتذكر )
وصلت في الموعد لأجده في انتظاري بنفس بشاشته ووده القديم، استقبلني بالأحضان رغم أن كُل ما جمعني به من قبل كان ذلك اللقاء الوحيد القديم ، رسم الزمن الكثير من الخطوط على ملامحه الطيبة، كما لم يترُك في شعر رأسه مجالاً لغير اللون الأبيض، لكن تلك النظرة الطفولية المُفعمة بالحياة لم تُفارق عينيه.
جلستُ إليه طويلاً، وأشعرني كما لو أنه قد خصص يومه بالكامل فقط للقائي!
أسرّ لي في ذلك اليوم أنه حين شرع في كتابة المُغامرون الخمسة، واختار حي المعادي الهادىء مقراً لسُكناهُم، وساحةً لمُغامراتهم بسبب طبيعة الحي وشوارعه ومُناسبتها لجولات خمسة من الصبية المُستمرة بالدراجات ، قرر اختيار المعادي رغم أنه لم يكُن من سُكان هذا الحي أبداً ، بل لم يكُن حتى قد زاره من قبل !!!
لكنه ظل شهوراً قبل الشروع في الكتابة يركب " قطر حلوان " يومياً وينزل في محطة المعادي أو محطة ثكنات المعادي ، ويتجول بالساعات يقرأ أرقام الشوارع ويتعرف علي المعالم الرئيسية ويتحدث مع الباعة في المحلات والأكشاك ويُدون كُل ذلك  فجاءت المُغامرات بكُل هذا النجاح في نقل أجواء المعادي على هذا النحو المُبهر والذي يعرفه جيداً الملايين من جمهور المُغامرون الخمسة!
فاجأني أيضاً في ذلك اليوم بمعلومة أنه - إحصائياً- الكاتب العربي الأكثر مبيعاً في العالم مُتجاوزاً نجيب محفوظ نفسه وذلك بفضل هذه السلسلة!
كما حكى لي أن الرئيس القذافي دعاه لزيارة ليبيا واستقبله وطلب منه أن يكتُب سلسلة مُغامرات للأطفال تدور أحداثها في ليبيا وتكون شخصياتها من الأطفال الليبيين، فأوضح له الأُستاذ محمود سالم أن هذا يستدعي أن يُقيم في ليبيا على الأقل لعدة شهور يكون خلالها حُر الحركة تماماً بعيداً عن القيود الرسمية حتى يُلم بالأجواء ويستطيع الكتابة، فوافق القذافي علي الفور.
تتداعى الذكريات علي نحو لايبدو له من نهاية، وألمح قارئاً يتململ، فلا بُد إذاً من خاتمة ... بعد المُغامرون الخمسة أبدع الأُستاذ محمود سالم سلسلة أُخرى ناجحة أيضاً بعنوان " الشياطين الـ ١٣ " ، لكنّي كُنتُ قد غادرتُ الطفولة فلم أكُن يوماً " الشيطان الرابع عشر"...
طارق فهمي حسين
نوفمبر ٢٠١٩

الجمعة، 1 نوفمبر 2019

عزاء واجب ، و ربنا يتمم بخير !!!

                          عزاء واجب ، و ربنا يتمم بخير !!!
                            =================
ذهبت لأداء واجب العزاء في إحدى قاعات المناسبات الملحقة بأحد المساجد الجديدة ، و الذي أذهب إليه للمرة الأولى ، علي الطريق ظهرت عن بُعد أسوار عالية ظننتها أسواراً لقلعة أو حصن ما ، و حين أقتربت بنا السيارة أكثر هالني حجم بوابات ضخمة عالية و مكتوب أعلاها بالأضواء الإلكترونية إسم المسجد ، دخلت بنا السيارة عبر البوابة الضخمة ، إستوقفنا حاجز أمني حيثُ فتح لهم السائق صندوق السيارة و دار رجل الأمن حولها ثم سمح لنا بالدخول ، و بعد مسافة إستوقفتنا بوابة أخرى داخلية يتوسطها كُشك " تحصيل لرسوم الإنتظار" بباحة المسجد ! و للتيسير على رواد المكان وُضِعت أعلى الكُشك شاشة " شريطية " توضح قيمة الرسوم : ( العسكريين ٢ جنيه / المدنيين ٥ جنيه / الميكروباص ١٠ جنيه ) .
كلا من رجل الامن و محصل الرسوم يتعاملان بأدب فندقي من فئة النجوم الخمس !
بعد عبور بوابة الرسوم تظهر مساحات شاسعة من أماكن الإنتظار و مسجد كبير و مآذن تنبثق من الأرض مباشرةً مُستقلة عن جسد المسجد و مًشيدة على طراز فرعوني سابق علي ظهور الإسلام ، تحديداً تنتهي بتيجان على شكل زهرة اللوتس !!!
و مجموعة من المباني الضخمة المُستقلة و التي تحوي عدد من قاعات المُناسبات لم أستطع تحديد عددها ، إذ يتطلب الأمر الكثير من المشي و الدوران حول المباني للوصول إلى بوابة كُل قاعة لقراءة إسم كُل منها، و المكتوب أعلي البوابة بالإضاءة الكهربائية ، و بالتالي حصر عددها .
علب المناديل الورقية الموضوعة على الموائد الصغيرة الموزعة بين مقاعد المُعزين مطبوع عليها إسم المسجد .
للمسجد و " دور مُناسباته " المتعددة صفحات على " الفيسبوك " منشور عليها أرقام التليفونات و " أسعار " الحجز ، الإعلان بشكل دوري عن " فتح باب الحجز لشهري كذا و كذا " ، هذا طبعاً بالنسبة لمناسبات عقد القران ، فهي التي يمكن تحديدها مُسبقاً ، على عكس حالات الوفاة و مايتبعها من عزاء .
لا أعرف تحديداً إذا كان هذا المسجد و قاعاته مسجلين في موسوعة جينس أم لا ، لكنه في كُل الأحوال مشروع تجاري ضخم يدر بالتأكيد الكثير من الأرباح علي " أصحابه " ، و أظنه الأضخم في مجاله ( في حدود ما رأيت ) مقارنة بأقرانه في سلسلة مشروعات المساجد و دور المُناسبات الناجحة المُربحة التي انتشرت في السنوات الأخيرة .
رحم الله موتانا ، و ألف مبروك للعروسين !
طارق فهمي حسين
أكتوبر ٢٠١٩