في هذه الصورة التي تعود إلى خمسينيات القرن العشرين نرى والد الشعراء مولانا فؤاد حداد في المنتصف كقمر مضيء ، وإلى اليمين ( يمين الناظر للصورة ) يقف والدي الصحفي والقصاص فهمي حسين ، وإلى اليسار الصحفي علي الدالي .
تزامل أبي مع الشاعر فؤاد حداد في أكثر من مجلة ومطبوعة ثقافية ، وكان أبي دائما من مريدي فؤاد حداد ، وكم رأيته يجلس طويلا إلى جوار الراديو كاسيت ليلة بعد ليلة وإصبعيه على زري التشغيل والتسجيل (الأحمر) مترقبا التوقيت المناسب للضغطة المزدوجة ليبدأ في تسجيل حلقة الليلة من " من نور الخيال وصنع الأجيال في تاريخ القاهرة"
أو " المسحراتي" .
وكنت ،قبل أن "أدرك" فؤاد حداد أعزو هذا الإهتمام الشديد إلى حب أبي لألحان صديقه الغالي جدا ورفيقه الشيخ سيد مكاوي ، ولم أكن مخطئا في ظني ، لكن هذا كان وجه واحد للحقيقة ، إذ كان شعور أبي بعبقرية وصدق وعذوبة وعمق حروف وكلمات فؤاد حداد شعورا شديد العمق ، وذلك كما أدركت فيما بعد .
لا أعرف تحديدا إلى أي مدى كانت الصداقة بين والد الشعراء وأبي ؟ أو حتى إذا ما كانا صديقين فعلا أم مجرد رفيقا إبداع وزميلا عمل ؟ فلم أر فؤاد حداد في بيتنا أبدا ، إلا إذا كنت قد رأيته يوما ولم أدرك - لشدة تغفيلي أو لصغر سني - من هو !
كما لم يصحبني أبي يوما لبيت فؤاد حداد ، مع الأخذ في الإعتبار أنه كانت هناك سنوات طويلة تم خلالها تغييب فؤاد حداد خلف الأسوار .
ولا أملك من أثار فؤاد حداد في مقتنيات أبي وسيرته سوى هذه الصورة وذلك الديوان الشعري الممهور بإداء رقيق مهذب من فؤاد حداد إلى فهمي حسين ، وعشرات من شرائط الكاسيت التي يشدو فيها عمي الشيخ سيد مكاوي أو عمي إبراهيم رجب بأشعار فؤاد حداد سواء عبر الإذاعة أو في جلساتنا الخاصة ، لكن ذاكرتي تتسع أيضا لمشهد أبي وهو جالس جلسته المفضلة إلى مكتبه بالبيت أو متكئا على كنبته الخاصة أو على المصطبة تحت تكعيبة العنب بقريتنا وهو مستغرق تماما بين التسجيل والاستماع لدرر فؤاد حداد .
كما أتذكر يوم عاد أبي إلى البيت في أحد الأيام في بدايات الثمانينيات وهو متهلل الأسارير ليبشرنا ( كما لو كان شأنا عائليا يخصنا بشدة ) بأن : "أمين إبن فؤاد حداد سيتزوج أمينة جاهين "
سعدت أمي جدا بالخبر ، أما أنا فلم أكن أعرف من أطراف الخبر بشكل شخصي سوى " عمو صلاح " ، لكني كنت قد نضجت بشكل كاف لأعرف أيضا من هو فؤاد حداد ، وكان وقع الخبر في نفسي هو الدهشة الشديدة من أمرين :
الأول هو أن هذا النسب سوف يجمع بين قطبي العامية المصرية ، والثاني هو التوافق المدهش في الأسماء بين "أمين" و "أمينة" ، لكن الأمر الأول هو ماشدني أكثر وهو النسب بين قطبي الشعر وتساءلت في نفسي ، بل وطرحت التساؤل على أبي عما إذا كانت زيجة كهذه ستأتي بأحفاد من الشعراء ؟ بل كدت أرى -منذ ذلك الوقت- أن هذا أمر حتمي( وقد كان بالفعل ) !
مرت عقود وجمعني حب الصادق من الشعر بأمين حداد وجها لوجه ، وكأنما أمسكت بطرف عقد من اللآليء فعرفت أمينة وبهاء جاهين وحسن حداد ثم سليم حداد وأحمد وسلمى ومي وحسام حداد ... إلى آخر حبات هذا العقد النفيس الذي غزله بعناية ونقاء فؤاد حداد وصلاح جاهين معا .
عرفت من أمين حداد أنه هو أيضا يحتفظ في ذاكرته بمشهد لفؤاد حداد وهو جالس إلى قصص فهمي حسين القصيرة ويعلق بأنه :"بيكتب حلو أوي "
كان الإعجاب إذا متبادلا بين مولانا فؤاد حداد وأبي فهمي حسين ، وأنا وإن كنت لم أعرف فؤاد حداد شخصيا ، فإني أرى بوضوح إنعكاس ضياءه على الأبناء والأحفاد إنعكاس الشمس على الأقمار
أو " المسحراتي" .
وكنت ،قبل أن "أدرك" فؤاد حداد أعزو هذا الإهتمام الشديد إلى حب أبي لألحان صديقه الغالي جدا ورفيقه الشيخ سيد مكاوي ، ولم أكن مخطئا في ظني ، لكن هذا كان وجه واحد للحقيقة ، إذ كان شعور أبي بعبقرية وصدق وعذوبة وعمق حروف وكلمات فؤاد حداد شعورا شديد العمق ، وذلك كما أدركت فيما بعد .
لا أعرف تحديدا إلى أي مدى كانت الصداقة بين والد الشعراء وأبي ؟ أو حتى إذا ما كانا صديقين فعلا أم مجرد رفيقا إبداع وزميلا عمل ؟ فلم أر فؤاد حداد في بيتنا أبدا ، إلا إذا كنت قد رأيته يوما ولم أدرك - لشدة تغفيلي أو لصغر سني - من هو !
كما لم يصحبني أبي يوما لبيت فؤاد حداد ، مع الأخذ في الإعتبار أنه كانت هناك سنوات طويلة تم خلالها تغييب فؤاد حداد خلف الأسوار .
ولا أملك من أثار فؤاد حداد في مقتنيات أبي وسيرته سوى هذه الصورة وذلك الديوان الشعري الممهور بإداء رقيق مهذب من فؤاد حداد إلى فهمي حسين ، وعشرات من شرائط الكاسيت التي يشدو فيها عمي الشيخ سيد مكاوي أو عمي إبراهيم رجب بأشعار فؤاد حداد سواء عبر الإذاعة أو في جلساتنا الخاصة ، لكن ذاكرتي تتسع أيضا لمشهد أبي وهو جالس جلسته المفضلة إلى مكتبه بالبيت أو متكئا على كنبته الخاصة أو على المصطبة تحت تكعيبة العنب بقريتنا وهو مستغرق تماما بين التسجيل والاستماع لدرر فؤاد حداد .
كما أتذكر يوم عاد أبي إلى البيت في أحد الأيام في بدايات الثمانينيات وهو متهلل الأسارير ليبشرنا ( كما لو كان شأنا عائليا يخصنا بشدة ) بأن : "أمين إبن فؤاد حداد سيتزوج أمينة جاهين "
سعدت أمي جدا بالخبر ، أما أنا فلم أكن أعرف من أطراف الخبر بشكل شخصي سوى " عمو صلاح " ، لكني كنت قد نضجت بشكل كاف لأعرف أيضا من هو فؤاد حداد ، وكان وقع الخبر في نفسي هو الدهشة الشديدة من أمرين :
الأول هو أن هذا النسب سوف يجمع بين قطبي العامية المصرية ، والثاني هو التوافق المدهش في الأسماء بين "أمين" و "أمينة" ، لكن الأمر الأول هو ماشدني أكثر وهو النسب بين قطبي الشعر وتساءلت في نفسي ، بل وطرحت التساؤل على أبي عما إذا كانت زيجة كهذه ستأتي بأحفاد من الشعراء ؟ بل كدت أرى -منذ ذلك الوقت- أن هذا أمر حتمي( وقد كان بالفعل ) !
مرت عقود وجمعني حب الصادق من الشعر بأمين حداد وجها لوجه ، وكأنما أمسكت بطرف عقد من اللآليء فعرفت أمينة وبهاء جاهين وحسن حداد ثم سليم حداد وأحمد وسلمى ومي وحسام حداد ... إلى آخر حبات هذا العقد النفيس الذي غزله بعناية ونقاء فؤاد حداد وصلاح جاهين معا .
عرفت من أمين حداد أنه هو أيضا يحتفظ في ذاكرته بمشهد لفؤاد حداد وهو جالس إلى قصص فهمي حسين القصيرة ويعلق بأنه :"بيكتب حلو أوي "
كان الإعجاب إذا متبادلا بين مولانا فؤاد حداد وأبي فهمي حسين ، وأنا وإن كنت لم أعرف فؤاد حداد شخصيا ، فإني أرى بوضوح إنعكاس ضياءه على الأبناء والأحفاد إنعكاس الشمس على الأقمار
كما أنني أقرأ وأسمع وأعيش أشعار فؤاد حداد وأدرك أنها لم يكتبها قلم وإنما زفرتها أنفاس قلب ذهبي .
ولما كنت أعرف جيدا فهمي حسين الإنسان والقيم والتكوين ، فإنني أدرك الأسباب التي تجذبني بشدة تجاه كل من يحمل إسم فؤاد حداد فضلا عن قبس من موهبته ، كما أدرك الأسباب التي تحرك ألما عظيما في صدري وشعور بفداحة الخسارة لرحيل فؤاد حداد في مثل هذا اليوم .
بل يتملكني هاجس في هذه اللحظة ويسيطر علي تساؤل خجل :
أما وأني إبن فهمي حسين ، فأين كان كتفي إذا من نعش فؤاد حداد ؟!!!
ولما كنت أعرف جيدا فهمي حسين الإنسان والقيم والتكوين ، فإنني أدرك الأسباب التي تجذبني بشدة تجاه كل من يحمل إسم فؤاد حداد فضلا عن قبس من موهبته ، كما أدرك الأسباب التي تحرك ألما عظيما في صدري وشعور بفداحة الخسارة لرحيل فؤاد حداد في مثل هذا اليوم .
بل يتملكني هاجس في هذه اللحظة ويسيطر علي تساؤل خجل :
أما وأني إبن فهمي حسين ، فأين كان كتفي إذا من نعش فؤاد حداد ؟!!!
طارق فهمي حسين
١ نوفمبر ٢٠١٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق