الجمعة، 1 فبراير 2019

المُباراة النهائية

المُباراة النهائية 

رأيتُ فيما يرى اليقظان ملعباً لكُرة القدم و قد إمتلأت مُدرجاته بشباب تضيء وجوههم بالعزة و الكرامة و الجسارة ، بينهم ٧٢ من مُشجعي كُرة القدم ، جميعهم يرتدي ثياباً بيضاء تُخضبها الدماء و تملأها الثقوب ، عدا مُشجعي كُرة القدم الــ ٧٢ إذ تخلوا ثيابهم من الثقوب و إن كان بينهم من مزقت جسده طعنات في أكثر من موضع ، و بعضهم الآخر يجلس و قد تهشمت عظامه و إن بدت أجسادهم من الخارج متماسكة كشرائح البسكويت المُهشمة داخل غُلافها الورقي السليم اللامع فيما يبدو أنه من أثر السقوط من إرتفاع كبير ! لكن وجوه الجميع باسمة يعلوها الرضا ، في حين تمتليء دائرة مُنتصف الملعب و ما حولها بشرذمة من أشباه البشر مُكفهري الوجوه زاغي النظرات ، من بينهم تسعة عشر يرتدون زياً موحداً حائل اللون و يعلو وجوههم كبر بغيض يحاول أن يُغالب ما هُم فيه من فزع !
و في مكان لوحة الإستاد الكبيرة كان هُناك تمثال رمز العدالة الشهير لسيدة ترفع إحد ذراعيها عالياً حاملة ميزان العدالة ، لكنها هذه المرة لم تكُن معصوبة العينين بل كانت عيناها شديدة الإتساع و سوادهما شديد اللمعان بما ينم عن حدة إبصار غير عادية ، و بياض العينين ناصعاً خالياً من أي شائبة ! ألقت بنظرة حانية نحو المُدرجات و إبتسمت فتساقطت من العيون دموع فرحة و جفت كُل الدماء و إلتأمت كُل الجراح و تبادل جمهور المُدرجات التهاني و الأحضان و تعالت أصوات الزغاريد ...
ثُم ألقت بنظرة ساخطة إلى أرض الملعب فأضرمت النيران في دائرة المُنتصف و بدأت شرذمة الأشقياء في تبادُل الإتهامات و التشابك بالأيدي ، و أخرج بعض الـتسعة عشر ذوي الزي الموحد أسلحة نارية و بدأوا في إطلاق النار على بقيتهم ، في حين حاول البعض الآخر أن يلوذ بالفرار لكن النار تعالت بشدة و بدأت جلود وجوههم في التساقط ، و إنصهرت الأسلحة في أيديهم فإختلط الحديد باللحم و ذابت العظام و تعالت صرخاتهم لكنها - للعجب - لم تكن صرخات بشرية و إنما كانت أشبه بنهيق الحمير و نعيق الغربان ، و مع تعالي النيران و إستعارها أكثر فأكثر ذابوا جميعاً و لم يتبق لهم من أثر سوى ما يُشبه روث البهائم فيما عدا أن رائحته كانت كريهة بأكثر مما يمكن تصوره على نحو تبدو رائحة روث البهائم مُقارنة به أشبه بروائح العطور الفاخرة !!!
سكنت النيران في أرض الملعب ، و سادت لحظات من الصمت المهيب ثم رفعت سيدة العدالة عينيها إلى السماء و نزلت على ركبتيها فحذا جميع أهل المُدرجات حذوها و تساقطت من العيون دموع الرضا و الإمتنان ، وتصاعدت في الجو رائحة كالمسك بل أطيب كثيراً ، و تقدم فتى صغير مليح الوجه يجر عربة بطاطا بين المُدرجات حتى إجتاز بها جميع الصفوف بعد أن لقم كُل واحد في فمه قطعة من البطاطا شديدة الحلاوة معسولة المذاق ، فوضع عربة البطاطا في أحد الأجناب و تركت له سيدة العدالة مكانها العالي و تراجعت إلى آخر الصفوف و وقف بائع البطاطا الصغير مُنتصب القامة رغم ضآلة حجمه و رقة جسده ليؤم الجميع في صلاة خاشعة
و ما أن إنتهت الصلاة حتى إنتظم الجميع في صفوف طويلة خارجين من الإستاد الكبير صاعدين في هدوء و جلال إلى السماء ......
إستيقظت من " صحوتي " و وجهي غارق في الدموع مُتمتماً : اللهم اجعله خير ... هو خير ... هو خير ....
                                                                                                               طارق فهمي حسين    
١ فبراير ٢٠١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق