السبت، 31 أغسطس 2019

#شوارد_حرة .

إمبارح إبني اللي ما خلّفتوش
زارني ف منامي و ما عرفتوش
كان جاي يحكي لي عن أحفادي 
اللي للدُنيادي .. ماجوش ! 
====
مات الحفيدُ و الولد
ماتوا قبل أن يولدوا
فما أتاني منهُم أحد 
و لم يتعسوا، و لم يسعدوا !
==== 

                         طارق فهمي حسين
                                    أغُسطس ٢٠١٩  

الخميس، 29 أغسطس 2019

عرائس " طنط بدر "


                                                              عرائس" طنط بدر "
                                         ===========





أينما تجولتُ في شقتي الصغيرة صادفتُ إحداها تنظُر لي و تبتسم! إنها عرائس الفنانة الكبيرة" بدر حمادة" أو" طنط بدر" كما عرفتُها طيلة عُمرى عبر زمالتها وصداقتها الوطيدة مع أُمي على مدار عقود  وحتى رحيل إحداهُما ثُم الأُخرى ... عرائس"طنط بدر" التي ظلت تُزودني بها علي مدار حياتي واحدةً تلو الأُخرى، مُنذُ نعومة أظافري وحتي حين زارتني مهُنئةً بزواجي، وبعد ذلك أيضاً وحتى رحلت عن دُنيانا تاركةً خلفها أجيال ممن شكلت عرائسها الجميلة جانباً هاماً من وجدانهم وذائقتهم، بل وأخلاقهمم التي كانت بعض قدوتهم فيها شخصيات صنعتها أيدي الفنانة بدر حمادة وأصابعها الطويلة الرقيقة، ووضعتها على خشبة مسرح القاهرة للعرائس لتنبض بالحياة وتخفق معها قلوبنا نحنُ أطفال ذلك الزمان، واليوم وأنا أفتح إحدى" دُرف النيش" لأُحضر لنفسي طبقاً استوقفني" الغفير النظامي" المصنوع هو وكوفيته وعمامته وشاربه جميعاً من القماش، والذي كلفته" طنط بدر" مُنذ زمن بحراسة محتويات النيش في بيتي ... إستوقفني وألقى علي بعض أسئلة سريعة في صمتٍ مهيب،  فلما اطمئن إليّ وتحقق من أنني أحد أولئك الصغار الذين كانوا يملأون جنبات مسرح العرائس بالضجيج والأسئلة، سمح لي بفتح النيش والتقاط ما جئت لأجله !
هذا الغفير وصبيةٌ فلاحة خشنة الشعر، وطفلةٌ ذات شعرٍ أحمر .. هؤلاء الذي قُدوا من قُماش لكنهم ينبضون بحياة صامتة صاخبة،  ينطوي صمتهم على عُمر من الذكريات ...  هُم بعضُ ما تبقى من طفولةٍ سأظلُ أتمسك بها ما بقي في صدري نَفسٌ يصعد ويهبط، أما " طنط بدر" فستبقى بوجهها الصبوح وعيونها الملونة الجميلة وعُنقها المصري القديم الطويل، ستبقى واحدةً من صُناع بهجة طفولتي ومن أنقى ما علق بوجداني من قيم وذكريات ...

طارق فهمي حسين
أغُسطُس ٢٠١٩

الخميس، 15 أغسطس 2019

أهلا بكين... أهلا محمود الشنواني .

#أهلاً_بكين.
#محمود_الشنواني.
==========

إعتدتُ مُنذ سنوات ألا أخرُج في الأعياد سوى إلى زيارة عائلية أو أخرى في اليوم الأول للعيد ،ثُم ألوذ بجدران البيت طيلة العيد ، لكني هذا العيد قُمت بشيء مُختلف تماماً ، إذ سافرتُ إلى الصين ، نزلتُ في أحد فنادق بكين و تنقلتُ بين معالمها التاريخية و السياحية، زرت المعابد و المتاحف و الحدائق ، دخلتُ المدينة المُحرّمة ، و تجولتُ في الشوارع الواسعة و الميادين الكبيرة ، و كذا الأزقة الضيقة و الأسواق و الأحياء الفقيرة  ، راقبتُ أحوالها و أحوال أهلها ، كما ركبتُ القطار " الطلقة " إلى مدينة تيانجين حيثُ قضيت يوماً بين معالمها ،و سبحت في تاريخ الصين و حضارتها و تساؤلات مُستقبلها و مُستقبل العالم معها ، كانت بحق أجازةُ عيد مُمتعة و مُفيدة روحياً و ثقافياً و على جميع المستويات .
الرحلة من المفروض أنها استغرقت إسبوعين ، لكنني عشتها في نحو الساعتين كما أنني لم أُفارق خلالها مقعدي في بيتي ، ذلك أنني عشتها  بين دفتي الكتاب الرائع " أهلاً بكين " الذي سجل فيه الصديق الرائع د. محمود الشنواني وقائع و انطباعات رحلته هو الشخصية إلى الصين في عام ٢٠١٤ .
هذا هو الكتاب الثاني الذي أقرأه للدكتور محمود الشنواني بعد كتابه الرائع أيضاً " ثلاثون عاماً في صُحبة نجيب محفوظ " ، و بذلك أكون قد قرأت " كُل " ماصدر للكاتب حتي الآن من كُتب ، و إن كان بعكس الترتيب الزمني للصدور !
و على غلافي كلا الكتابين لاحظتُ حرص د. محمود الشنواني على إغفال وضع ( د. ) التي تُشير إلى صفته كطبيب أو كحامل للدكتوراة كما يحرص أغلب من يملكون إحدى الصفتين أو كلتاهما ( كما في حالة الدكتور محمود ) ، و هذا الإغفال العمدي يتسق تماماً مع شخصية محمود الشنواني الإنسان المتواضع ، و المتواري في خجل يليقُ بالحُكماء الذين أحسبه واحداً منهم بكُل تأكيد ، كما أن هذا الإغفال لحرف الدال المتبوع بالنقطة يُشير أيضاً إلى أن الكاتب حريصٌ على أن يُقدم لنا مايكتب بأكثر من حرصه على أن يُقدم لنا نفسه ، و لو أوكل الأمر لي شخصياً لوضعت قبل إسم " محمود الشنواني " حرف " الألف . " ليس بمعنى الأُستاذ ، و إنما بمعنى " الإنسان ".
الكتاب كما يبدو من عنوانه و موضوعه ينتمي لما يُعرف بـ " أدب الرحلات " ، لكننا حين نقرأه نكتشف أن في هذا الوصف تحجيم لايليق بالكتاب و مضمونه ، فأدب الرحلات بالفعل موجود بين صفحات الكتاب ، لكنه ليس بالتأكيد كُل ما في الأمر ، و لا حتي " جُله " ، إذ نلمس بوضوح في تناول الكاتب لكُل ما يراه بُعداً إنسانياً و فلسفياً لاتُخطئه العين ، و نلمس بوضوح معنى أن يكون الإنسان حتى و هو في حالة السائح الذي يقضي أجازته ، معنى أن يكون مُثقفاً واعياً ، وقارئاً فاهماً للحياة و البشر و التاريخ ، فالرحلة عبر صفحات هذا الكتاب المُمتع بحق ، و المُفيد بحق ، لم تكُن إلى الصين فقط ، و إنما كانت أيضاً إلى التاريخ و الفلسفات الشرقية ، و مع ذلك كُله و قبله و بعده : رحلة مع الإنسان إبن حضارته و بيئته ، و المُسلح بثقافته الشخصية و مواقفه الواضحة من قضايا الكون ، حين يتصل مع الإنسان و تاريخه و حضارته في بلد آخر و ثقافة أخرى على بُعد آلاف الأميال .
الرحلة مكتوبة بوعي و إنسانية ، و بعذوبة مُمتعة ، و أيضاً بحضور موهبة روائية لا تخفى علي القاريء ، و تدفعنا لتوقع و ترقُب الإنتاج الأدبي و الفكري المنتظر للكاتب محمود الشنواني ، و الذي يمتلك إسلوباً سلساَ و حميماً يحسده عليه كتاب كبار محترفون ، كما يمتلك قُدرة مُدهشة على " التكثيف " إن جاز التعبير حيثُ استطاع أن يصحبنا في رحلته المُمتعة بتفاصيلها و يصف لنا مازار من أماكن و ما شاهد من نماذج بشرية ، و كذا يبثنا إنطباعاته و تأملاته الهامة و العميقة بالفعل، و ربما أيضاً بعض آراءه السياسية و انحيازاته الاجتماعية  ، كُل ذلك بين دفتي ١٣٨ صفحة فقط دون أي اختزال أو بتر ، و بالتأكيد دون أي "مط " أو تباطؤ ، و هو نفس ما استطاع أن ينجزه أيضاً في كتابه الثاني " ثلاثون عاماً في صُحبة نجيب محفوظ " و الذي لم يكد يُتم  صفحته رقم ١٤١ .
قد يلاحظ البعض أنني لم أناقش تفاصيل مضمون الكتاب بقدر ماتحدثت عن الكاتب و إسلوبه و ثقافته المُنعكسة بوضوح إيجابي علي كتابته ، ذلك أنني لم أرد أن أفسد عليكم متعة قراءة الكتاب ، و الذي لن يستغرق من أكثر القُراء تململاً و عدم صبر على القراءة أكثر من جلسة واحدة  ( ليس عن خفة تعتري الكتاب و إنما لشدة سلاسته و استرساله )يخرج منها وقد سيطر عليه نهم القراءة و البحث عن المزيد من كتابات محمود الشنواني و صُحبته المُمتعة عبر السطور و الورق المطبوع.

الكتاب صادر عن دار " صفصافة " عام ٢٠١٥ ، و التي أصدرت كتابه الثاني أيضاً 
و يقع في ١٣٨ صفحة كما أسلفت ، أتبعها المؤلف بمُلحق في خمس صفحات يعرض فيه نُبذة عن بعض الكُتب التي ساعدته قراءتها  قبل و أثناء رحلته إلى الصين ، و التي يرشحها لأي زائر للصين ، و هي لفتة من المؤلف تؤكد على إحترامه لعقل قارئه من ناحية ، و على حرصه علي نشر المزيد من المعرفة و الثقافة من ناحية أُخرى.
تبقى مُشكلةٍ واحدة هي كيفية العثور علي الكتاب ، و الذي ظللتُ أبحث عنه في عدد من المكتبات و أترك رقم تليفوني بها لإبلاغي حين يتم توفير نُسخة منه دون جدوى حتى أهداني الصيق الغالي محمود الشنواني نفسه هذه النُسخة الغالية بعد أن زادها جمالاً و قيمة فوق قيمتها بأن وضع عليها إهداءاً رقيقاً بخط يده لشخصي المتواضع .
و هذا يُحيلنا إلى دار النشر التي أظُن أنه قد آن الأوان لتُصدر طبعةً ثانية من هذا الكتاب الذي أعلم أن الكثير من القُراء يتلهفون لقراءته .

                                                طارق فهمي حسين
                                                 أغسطس ٢٠١٩