الخميس، 29 أغسطس 2019

عرائس " طنط بدر "


                                                              عرائس" طنط بدر "
                                         ===========





أينما تجولتُ في شقتي الصغيرة صادفتُ إحداها تنظُر لي و تبتسم! إنها عرائس الفنانة الكبيرة" بدر حمادة" أو" طنط بدر" كما عرفتُها طيلة عُمرى عبر زمالتها وصداقتها الوطيدة مع أُمي على مدار عقود  وحتى رحيل إحداهُما ثُم الأُخرى ... عرائس"طنط بدر" التي ظلت تُزودني بها علي مدار حياتي واحدةً تلو الأُخرى، مُنذُ نعومة أظافري وحتي حين زارتني مهُنئةً بزواجي، وبعد ذلك أيضاً وحتى رحلت عن دُنيانا تاركةً خلفها أجيال ممن شكلت عرائسها الجميلة جانباً هاماً من وجدانهم وذائقتهم، بل وأخلاقهمم التي كانت بعض قدوتهم فيها شخصيات صنعتها أيدي الفنانة بدر حمادة وأصابعها الطويلة الرقيقة، ووضعتها على خشبة مسرح القاهرة للعرائس لتنبض بالحياة وتخفق معها قلوبنا نحنُ أطفال ذلك الزمان، واليوم وأنا أفتح إحدى" دُرف النيش" لأُحضر لنفسي طبقاً استوقفني" الغفير النظامي" المصنوع هو وكوفيته وعمامته وشاربه جميعاً من القماش، والذي كلفته" طنط بدر" مُنذ زمن بحراسة محتويات النيش في بيتي ... إستوقفني وألقى علي بعض أسئلة سريعة في صمتٍ مهيب،  فلما اطمئن إليّ وتحقق من أنني أحد أولئك الصغار الذين كانوا يملأون جنبات مسرح العرائس بالضجيج والأسئلة، سمح لي بفتح النيش والتقاط ما جئت لأجله !
هذا الغفير وصبيةٌ فلاحة خشنة الشعر، وطفلةٌ ذات شعرٍ أحمر .. هؤلاء الذي قُدوا من قُماش لكنهم ينبضون بحياة صامتة صاخبة،  ينطوي صمتهم على عُمر من الذكريات ...  هُم بعضُ ما تبقى من طفولةٍ سأظلُ أتمسك بها ما بقي في صدري نَفسٌ يصعد ويهبط، أما " طنط بدر" فستبقى بوجهها الصبوح وعيونها الملونة الجميلة وعُنقها المصري القديم الطويل، ستبقى واحدةً من صُناع بهجة طفولتي ومن أنقى ما علق بوجداني من قيم وذكريات ...

طارق فهمي حسين
أغُسطُس ٢٠١٩

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق