عن جيجي ..
===
فجأة تمثلت أمامي آتية من أعماق الذاكرة صورة إبنة عمي الصبية الجميلة " جيجي " و هي تقف منتصبة القامة داخل إحدى مراجيح العيد في مدينة الزقازيق ، تلك " المرجيحة " التي كانت على شكل قارب لكنه مصنوع من الصاج ... كانت جيجي الجميلة بارعة في " التعويم " بالمرجيحة حتى أنها كانت تنقلب بها رأسا على عقب و تدور بها دورة كاملة بل دورات ... و كنا نحن الصبية و الصبايا من إخوتها و أبناء عمومتها نتحلق حول المرجيحة مشرئبي الأعناق نرنو إليها في عليائها و هي تتبدى لنا في وقفتها هذه كملكة فرعونية تقود عجلة حربية أو ما شابه .... ورثت جيجي عن والديها - كسائر إخوتها - قبسا من جمالهما و كثيرا من جسارة أبيها و سحر أمها ... كانت جيجي صبية صغيرة تشرع في مغادرة الطفولة ، و ظلت كذلك حتى يوما هذا بل و حتى قيام الساعة ...فقد غادرت جيجي دنيانا إثر حريق كبير في بيت عمي في قريتنا صبيحة عيد الفطر أو الأضحى لا أتذكر تحديدا ، و لا أُحب أن أتذكر ، و قبل أن يشرع أحد في التعليق معزيا - مشكورا - أستدرك موضحا أن هذا كان قبل نحو أربعة عقود من الزمان مرت كلمح البصر أحيانا ، و بطيئة ثقيلة الوطأة أحيان أخرى ربما لم تخطر خلالها جيهان عبد الرحمن فهمي حسين أو جيجي ببالي كثيرا إذ أنها لم تكن أول و لا آخر الراحلين من الأقرباء و الأعزاء ... أما اليوم فقد وقعت عيني على صورة وضعها أحد الأصدقاء لمراجيح مولد النبي على "صفحته الإلكترونية " و ما أن رأيتها حتى تمثل أمامي مشهد جيجي الصغيرة الجميلة منتصبة فوق أرجوحتها نابضة بالحياة ...تقاسمت معنا جيجي أجمل سنوات الطفولة التي يبدو أنها أحبتها كثيرا فتوقفت عندها و تركتنا نمضي بدونها إلى الصبا و المراهقة فالشباب فالنضج إلى أعتاب الشيخوخة ... ربما فهمت جيجي ما لم نفهم و أدركت ما لم ندرك فبقيت هناك معتصمة بأرجوحتها .. سلامٌ على جيجي ، و سلامٌ على تلك الأيام التي عشناها مع جيجي و عاشتها هي معنا .
طارق فهمي حسين
٢٠١٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق