الجمعة، 28 ديسمبر 2018

زمن الممبوزيا

زمن الممبوزيا
=======



إلتقطتُ هذه الصور في الصيف الماضي حين قادتني خطوات الحنين إلى "نادي القاهرة الرياضي " مرتع الصبا والشباب ،  ففوجئت بكميات الممبوزيا المُتساقطة علي الأرض ولايلتفت إليها أحد من الأطفال والصبية والشباب !
قُلتُ لنفسي رُبما كان انتشار الوعي الصحي بين الأجيال الجديدة هو الذي يمنعهُم من التهام ثمار الممبوزيا الشهية ، لكني انتبهت إلى أن هذه الأجيال الجديدة هي نفسها التي تُقبل علي مطاعم الوجبات السريعة وأكياس المُقرمشات المحفوظة بجنون يتنافى مع أي وعي صحي مزعوم !
وتذكرت سنواتُ الصبا حين كُنا نتسابق علي تسلُق أشجار الممبوزيا بالنادي في موسم الصيف لنقطف ثمارها أو حتى نلتقطها من علي الأرض ونغسلها لنأكُلها في سعادة بالغة ، بل ونملأ الأكياس لنأخُذها معنا إلى بيوتنا ، وتذكرت بالطبع أشهر فرسان تسلُق أشجار الممبوزيا وعلى رأسهم صديقي الجميل أُسامة أنور ، وكذا صديقي شريف رامي الشهير بــ ( بروس لي ) ، وتذكرتُ يوم حادث سقوط أُسامة أنور من أعلى شجرة الممبوزيا المُلاصقة لسور النادي الخلفي فاخترق أحد أسياخ السور ساقه كالحربة وكانت إصابة جسيمة ، لكن هذا لم يمنع صديقنا المتهور أبداً أُسامة من العودة لتسلق أشجار الممبوزيا بمُجرد تماثله للشفاء ، وكذا مُمارسة كافة نشاطاته المتهورة الأُخرى والتي كان كُل النادي يدهش لها ، ويُعجب بها في ذات الوقت !!!
عقود مرت لم أر فيها صديق الصبا أُسامة أنور حتى جمعني به الـ Facebook مؤخراً ، وإن كانت الفُرصة لم تسنح بعد لألقاه شخصياً حتى أعرف إن كانت كُل تلك السنوات قد سلبته ذلك التهور الجميل أم مازال يحتفظ به كما أرجو .
وبقي في نفسي التساؤل : " أين فُرسان الممبوزيا في الأجيال الجديدة لنادي القاهرة " ؟
وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى مقر عملي مُصطحباً معي علبة بها بعض ثمار الممبوزيا ، واستدعيتُ مرؤسيي في العمل ، وهُم من الشباب والشابات بين الثلاثينيات والأربعينيات من العُمر ،وسألتهُم بكُل جدية : " مين فيكُم يعرف الممبوزيا ؟ ففوجئت بصمتٍ تام إذ لم يكُن لدى أي منهُم أدنى فكرة عن الممبوزيا !!! فأخرجتُ العلبة وفتحتها عارضاً عليهم ثمار الممبوزيا فنظروا إليها بدهشة وكأني أعرضُ عليهم بعضُ أحجار المريخ ! فأوضحتُ لهُم ماهي وعرضتُ عليهم تذوقها فاعتذروا جميعاً بكُل ريبة وتخوف !!!
هُنا أدركتُ - أخيراً - أن زمن الممبوزيا قد ولى آخذاً معه أشياءاً كثيرة جميلة ...
طارق فهمي حسين
ديسمبر ٢٠١٨

الجمعة، 30 نوفمبر 2018

أحمد حدّاد



النهارده عيد ميلاد صديقي الشاب الجميل أحمد حداد
الشاعر و الفنان الشامل السينمائي كتابة و تمثيلا و إخراجا و العضو المؤسس لفرقة رترو الغنائية المبهجة .
أحمد حداد يكتب شعرا بالعامية الجاهينية الحدادية الصادقة المبهجة ، تسكنه أرواح جديه الشاعرين فؤاد حداد و صلاح جاهين ، و يحمل جينات أبيه الشاعر الكبير أمين حداد و خاله الشاعر الكبير بهاء جاهين ، لكنه في النهاية يكتب أشعاره هو الخاصة و التي لا تشبه أي من أشعار هؤلاء العمالقة ، أشعارا تشبه أحمد حداد و جيله و عصره لكنها - و هذا جزء أساسي في جمالها - تظل تحمل تراث و رائحة تراب الأجداد ، أحمد حداد الشاعر هو صاحب القصيدة التي لم يكتب مثلها أحد في تاريخ العامية المصرية و التي يقول مطلعها :
هات لي يا بكرة صفحة جديدة
حط لي مصر ف جملة مفيدة.
هذا هو الشاعر
و كذلك الممثل جميل في الكاميرا ، رائق في الأداء .
الكاتب و المخرج يحمل رؤياه الخاصة و حلمه السينمائي الخاص و الذي لا يقدم أية تنازلات بشأنه .
على المسرح مع فرقته المبهجة : رترو يتحول الشاب الخجول الدمث إلى عفريت مسرحي يغني و يقرع الدفوف و يرقص إذا لزم الأمر !
أما أحمد حداد الصديق الإنسان فهو من أنبل من قابلت من أبناء جيله و أكثرهم أدبا و دماثة و هدوءا و حياءا أيضا ، حتى أن البعض - و أنا منهم - ربما يعيب عليه شدة هدوءه و حياءه اللذان قد يمثلان أحيانا عبئا على مواهبه المتوهجة خاصة في مجتمعنا الفني و الثقافي المصري و العربي.
عيد ميلاد سعيد يا صديقي و عقبال ١٠٠ سنة و ١٠٠ ديوان و ١٠٠ فيلم و ١٠٠ حفلة ناجحة مع رترو .
صحة و سعادة و إبداع وسط أسرتك الصغيرة و الكبيرة و أصدقاءك و محبيك و جمهورك .

طارق فهمي حسين
٢٧ نوفمبر ٢٠١٧

الجمعة، 16 نوفمبر 2018

في الصورة فؤاد حداد


في الصورة  فؤاد حداد






في هذه الصورة التي تعود إلى خمسينيات القرن العشرين نرى والد الشعراء مولانا فؤاد حداد في المنتصف كقمر مضيء ، وإلى اليمين ( يمين الناظر للصورة ) يقف والدي الصحفي والقصاص فهمي حسين ، وإلى اليسار الصحفي علي الدالي .
تزامل أبي مع الشاعر فؤاد حداد في أكثر من مجلة ومطبوعة ثقافية ، وكان أبي دائما من مريدي فؤاد حداد ، وكم رأيته يجلس طويلا إلى جوار الراديو كاسيت ليلة بعد ليلة وإصبعيه على زري التشغيل والتسجيل (الأحمر) مترقبا التوقيت المناسب للضغطة المزدوجة ليبدأ في تسجيل حلقة الليلة من " من نور الخيال وصنع الأجيال في تاريخ القاهرة"
أو " المسحراتي" .
وكنت ،قبل أن "أدرك" فؤاد حداد أعزو هذا الإهتمام الشديد إلى حب أبي لألحان صديقه الغالي جدا ورفيقه الشيخ سيد مكاوي ، ولم أكن مخطئا في ظني ، لكن هذا كان وجه واحد للحقيقة ، إذ كان شعور أبي بعبقرية وصدق وعذوبة وعمق حروف وكلمات فؤاد حداد شعورا شديد العمق ، وذلك كما أدركت فيما بعد .
لا أعرف تحديدا إلى أي مدى كانت الصداقة بين والد الشعراء وأبي ؟ أو حتى إذا ما كانا صديقين فعلا أم مجرد رفيقا إبداع وزميلا عمل ؟ فلم أر فؤاد حداد في بيتنا أبدا ، إلا إذا كنت قد رأيته يوما ولم أدرك - لشدة تغفيلي أو لصغر سني - من هو !
كما لم يصحبني أبي يوما لبيت فؤاد حداد ، مع الأخذ في الإعتبار أنه كانت هناك سنوات طويلة تم خلالها تغييب فؤاد حداد خلف الأسوار .
ولا أملك من أثار فؤاد حداد في مقتنيات أبي وسيرته سوى هذه الصورة وذلك الديوان الشعري الممهور بإداء رقيق مهذب من فؤاد حداد إلى فهمي حسين ، وعشرات من شرائط الكاسيت التي يشدو فيها عمي الشيخ سيد مكاوي أو عمي إبراهيم رجب بأشعار فؤاد حداد سواء عبر الإذاعة أو في جلساتنا الخاصة ، لكن ذاكرتي تتسع أيضا لمشهد أبي وهو جالس جلسته المفضلة إلى مكتبه بالبيت أو متكئا على كنبته الخاصة أو على المصطبة تحت تكعيبة العنب بقريتنا وهو مستغرق تماما بين التسجيل والاستماع لدرر فؤاد حداد .
كما أتذكر يوم عاد أبي إلى البيت في أحد الأيام في بدايات الثمانينيات وهو متهلل الأسارير ليبشرنا ( كما لو كان شأنا عائليا يخصنا بشدة ) بأن : "أمين إبن فؤاد حداد سيتزوج أمينة جاهين "
سعدت أمي جدا بالخبر ، أما أنا فلم أكن أعرف من أطراف الخبر بشكل شخصي سوى " عمو صلاح " ، لكني كنت قد نضجت بشكل كاف لأعرف أيضا من هو فؤاد حداد ، وكان وقع الخبر في نفسي هو الدهشة الشديدة من أمرين :
الأول هو أن هذا النسب سوف يجمع بين قطبي العامية المصرية ، والثاني هو التوافق المدهش في الأسماء بين "أمين" و "أمينة" ، لكن الأمر الأول هو ماشدني أكثر وهو النسب بين قطبي الشعر وتساءلت في نفسي ، بل وطرحت التساؤل على أبي عما إذا كانت زيجة كهذه ستأتي بأحفاد من الشعراء ؟ بل كدت أرى -منذ ذلك الوقت- أن هذا أمر حتمي( وقد كان بالفعل ) !
مرت عقود وجمعني حب الصادق من الشعر بأمين حداد وجها لوجه ، وكأنما أمسكت بطرف عقد من اللآليء فعرفت أمينة وبهاء جاهين وحسن حداد ثم سليم حداد وأحمد وسلمى ومي وحسام حداد ... إلى آخر حبات هذا العقد النفيس الذي غزله بعناية ونقاء فؤاد حداد وصلاح جاهين معا .
عرفت من أمين حداد أنه هو أيضا يحتفظ في ذاكرته بمشهد لفؤاد حداد وهو جالس إلى قصص فهمي حسين القصيرة ويعلق بأنه :"بيكتب حلو أوي "
كان الإعجاب إذا متبادلا بين مولانا فؤاد حداد وأبي فهمي حسين ، وأنا وإن كنت لم أعرف فؤاد حداد شخصيا ، فإني أرى بوضوح إنعكاس ضياءه على الأبناء والأحفاد إنعكاس الشمس على الأقمار 
كما أنني أقرأ وأسمع وأعيش أشعار فؤاد حداد وأدرك أنها لم يكتبها قلم وإنما زفرتها أنفاس قلب ذهبي .
ولما كنت أعرف جيدا فهمي حسين الإنسان والقيم والتكوين ، فإنني أدرك الأسباب التي تجذبني بشدة تجاه كل من يحمل إسم فؤاد حداد فضلا عن قبس من موهبته ، كما أدرك الأسباب التي تحرك ألما عظيما في صدري وشعور بفداحة الخسارة لرحيل فؤاد حداد في مثل هذا اليوم .
بل يتملكني هاجس في هذه اللحظة ويسيطر علي تساؤل خجل :
أما وأني إبن فهمي حسين ، فأين كان كتفي إذا من نعش فؤاد حداد ؟!!!
طارق فهمي حسين
١ نوفمبر ٢٠١٨

الأحد، 7 أكتوبر 2018

في ذكرى ماجد .

في ذكرى ماجد

اليوم تمُر الذكرى الخامسة لشقيق زوجتي ، وأخي أيضا ماجد رحمة الله عليه كان إنسانا طيبا إلى أبعد الحدود وخدوما ومحبا ، كان إبنا بارا إلى أبعد مدى لا يستطيع أغلبنا مجاراته فيه ، كان لايؤذي أحدا ، بل كان حتى لايعرف كيف يكون الأذى .
رحل ماجد مبكرا إذ يبدو أن الله سبحانه يدخر هذا النوع النادر من البشر لحياة أفضل ... رحل لكن ذكراه بيننا باقية عطرة 
رحل تاركا خلفه أما كانت تنعم ببره كما لا تنعم كثيرات من الأمهات ، وحتى اليوم نفشل في نهيها عن قسمها الوحيد : " ورحمة إبني " 
كما ترك ماجد خلفه زوجة طيبة وابنتان ، فبقيت الزوجة على العهد ترعى ابنتيها وتزود عنهما حتى صارت الكبرى مهندسة و أولى دفعتها ومعيدة بالجامعة ، وهاهي الصغرى تسير في دراستها الجامعية بتفوق كأختها .
رحل ماجد تاركا خلفه ثلاث شقيقات كان هو الأكبر وكن دائما ومازلن يتحدثن عنه بكل حب وكن يتندرن - في حياته - على خجله : " ماجد أكتر واحد بيتكسف فينا " ، أما اليوم فحين تذكر أي واحدة منهن إسمه وسيرته تراها وقد لمعت عيناها واتسعت إبتسامتها ورفعت ذقنها لأعلى بزهو وتطلع نحو السماء وكأنها طفلة تناغي وكأن روحه تلاعبها من عليين .
رحل ماجد تاركا خلفه جيشا من الأصحاب والأقارب والجيران وزملاء العمل يلهجون بالثناء على خصاله وسيرته الطيبة .
كان ماجد مصطفى عبد المعبود ماجد إنسانا عاديا جدا من وسط الناس لكنه كان غير كل الناس ،إذ مر بدنيانا مرور الكرام دون أن يؤذي ولو نملة ، بل كان يربي العصافير الملونة الجميلة ، ولم يبع يوما عصفورا - كما يفعل عادةً مُعظم هواة العصافير - لكنه كان يهدي منها دائما لكل من يحب العصافير .
كان ماجد مصطفى عبد المعبود ماجد شقيق زوجتي وياله من فخر لو تعلمون .
رحمة الله على ماجد ، و على عالم يندر فيه أمثاله.
طارق فهمي حسين

١٢ سبتمبر ٢٠١٨


الأحد، 22 يوليو 2018

كُل هذا المانجو ! All THAT MANGO



كُل هذا المانجو !
All THAT MANGO

لاأعتقد أن هُناك من يختلف حول طعم المانجو ،رُبما يختلف البعض حول أفضلية مذاق هذا النوع عن ذاك لكنه في نهاية الأمر فإنه " كُلنا نُحب المانجو" ، هذه الفاكهة التي اشتهرت وتميزت بها مصر وسط أشقاءها العرب ، فنجد أنه حتى في لُبنان ،تلك القطعة من السماء بحق ، وحيثُ تنمو – مزروعة أو من تلقاء نفسها – أجمل وأندر أنواع الفواكه والمكسرات أيضاً- حتى هُناك لايزرعون المانجو ولايعرفونها إلا كما يُنادي الباعة الجائلون في شوارع بيروت : " مانجه مصري ... مانجه مصري" ذلك النداء الذي كُنتُ أطرب له و آنس له في سنوات إقامتي ببيروت .
رغم كُل ذلك فإننا نجدُ شاعراً ، بل والد الشُعراء وأشعرهُم "فؤاد حداد " يؤكد أنه:
القمح المستوردين 
أصله دين الفدادين
والمنجه اللي مصدرين 
شجرتها مهجنه .
وواقع الأمر أن شاعرنا الكبير صادق تمام الصدق فيما قال ، كعادته في كُل ماقال وكتب ، ذلك أن أرض مصر وشعبها لم يعرفا المانجو إلا – كما تقول الروايات – حين أتى بأول شتلاتها الزعيم المُجاهد أحمد عُرابي عند عودته من المنفى ، ليغرسها في طين أرض مصر الخصبة التي لاترفض غرساً طيباً أبداً .
ولهذه الواقعة المروية مغزىً بعيد إذ تكشف جانباً آخر من حُب الزعيم عُرابي لوطنه مصر ولشعبها ، إذ راعه ألا يتذوق المصريون طعماً جميلاً وشهياً لفاكهة تعرف عليها في منفاه فعاد بشتلاتها إلى الوطن ليُهديها لأهله المصريين ،ولأنه " ولي " من أولياء الوطن الصالحين ، فقد بارك الله في عمله هذا فصارت المانجو إحدى الأشياء التي تتفرد بها مصر بين شقيقاتها .
ولأن عُرابي كان " شرقاوياً " فإن أول الغرس كان بأرض مُحافظة الشرقية ، وظلت الشرقية مُنذ ذلك اليوم، وحتى الآن الأشهر في إنتاج المانجو ، وقبل أن يعترض البعض مُشيراً إلى  " الإسماعيلية"  أقول مُذّكراً أن الإسماعيلية كانت في الأصل ضمن زمام مُحافظة الشرقية قبل أن يُعاد تقسيم المُحافظات ويتم اعتبار الإسماعيلية مُحافظة قائمة بذاتها.
ولأني أنتمي إلى عائلة شرقاوية ذات جذور ضاربة عميقاً في أرض الشرقية ، مُنذ هاجر الآباء المؤسسون لهذه العائلة من أرض الجزيرة العربية ( تحديداً هُم آباء هاشميون قُرشيون من نسل الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهُما ) ، فإن هذه العائلة تحديداً إشتهرت بأمر عجيب بين أهل الشرقية والمُحافظات المُتاخمة لها مثل القليوبية ، تلك الشُهرة ( إلى جانب أمور أُخرى أشدُ خطراً ) أن " الحساينة " – إشارة إلى عائلة حسين – يزرعون المانجة ولايبيعونها "!!!
نعم ، هذه حقيقة تاريخية ومتوارثة ، فعائلة " حسين " كما توارثت زراعة المانجو ، توارثت أيضاً حُب غير عادي للمانجو ، وإفراط لايباريه أحد في أكل المانجو ، يستوي في ذلك الطفل والشيخ من بين أفراد العائلة ، وكذلك أكثرهم رشاقة وأفرطهم سمنة !
في المساحة المواجهة " للسلاملك " داخل " البيت الكبير" – بيتنا الموروث – توجد سبع شجرات مانجو من سبع أنواع مُختلفة  زرعها الجد الأكبر وقت بناءه للبيت ،  روى لي أبي أن جدي كانت جلسته المُفضلة تحت واحدة بعينها من تلك الشجرات السبع ، وحين توفي في مُنتصف العقد الخامس من العُمر توقفت هذه الشجرة عن الإثمار تماماً وحتى يومنا هذا الشجرات الست الأُخرى يطرحن مالذ وطاب من ثمار المانجو ، وهذه الشجرة السابعة تقف منزوية مورقة زاهية بأوراقها كقريناتها الست لكنها أبداً لا تُخرج من بين الأوراق زهرة مانجو واحدة وبالتالي لاتُثمر ثمرة مانجو واحدة .
حين كُنا أطفالاً ثُم صبية كُنا أنا وشقيقتي وأبناء عمومتي ننقسم تلقائياً إلى فرق ينجذب أعضاء كُل فريق إلى بعضهم البعض إنجذاباً مغناطيسياً دون اختيار واعي ، ونتبارى في إسقاط حبات المانجو من فوق أشجار السلاملك وهي بعد نيئة وصلبة كالحجر بل وبيضاء تماماً من الداخل وبعد اكتشاف إستحالة تناولها وهي على هذه الحالة ،إذ لا تمُت – بعد – للمانجو كما نعرفها بصِلة ، يلجأ كُل فريق للخطة البديلة وهي " الترقيد " والذي يتمثل في دفن المانجو في التُراب لعدة أيام حتى " تستوي " بعد أن حرمتها حماقة الطفولة من أن " تستوي على عودها " ، ويسعى كُل فريق في طريقه حيثُ يتم إختيار مخابيء الترقيد بحيث لايعرفها أحد الفرق الأُخرى فيُغير عليها ويستولي على كنز المانجو الخاص بفريق آخر ، لكن الأمر لم يكُن يخلو من تتبُع جاسوس يبعث به قائد إحدى الفرق ليكتشف مخابيء فريق آخر لسرقتها ، أو إنشقاق أحد الصغار على فريقه وتحالفه مع فريق آخر لكونه يضُم بعض إخوته مع وعد بإشراكه في الغنيمة بحصة لابأس بها !
أما الجيل السابق لنا من أبناء عمومتنا والذين كان من بينهم سامي نجم شباب العائلة دون مُنازع ،والذي كان لشدة براعته –ودون مُبالغة – يقذف بالمطواة باتجاه أحد أفرع الشجرة مُستهدفاً حبة مانجو بعينها فيُصيب العُنق أو " العنئ " كما ننطقها في قريتنا  ، المُتدلية منه حبة المانجو فيُسقطها سليمة دون خدش  ، أبناء ذلك الجيل السابق لنا كانوا يروون لنا أنهم لم يكونوا يكتفون بأشجار السلاملك المملوكة لآبائنا ، وإنما كانوا يُفضلون تسلُق السور الذي يفصل بين البيت الكبير وبيت عم آباءنا المُتاخم لنا ليسرقوا المانجو من أشجاره فقط لمُتعة كسر الممنوع وجو المُغامرة ، وكثيراً ماكان غفير بيت ذلك العم يُمسك بأحدهم بالجرم المشهود وجيوبه مُعبأة بالمانجو المسروقة ، فينهره فيصيحُ فيه الصبي الصغير بكُل جبروت : " إييييه ، جنينة عمي " فُيسقط في يد الغفير ويلتزم الصمت ، حتى أنه في إحدى المرات أمسك ذلك العم نفسه بأحدهم فصاح الولد فيه كالمُعتاد : " إيييه .. جنينة عمي " فصرخ فيه العم : " عمى الدبب " ففر الصبي من أمامه وحبات المانجو تتساقط من جيوبه ، وانفجر "العم" بالضحك !
أما أبي فقد زرع عدداً كبيراً من أشجار المانجو المتنوعة في جانب خاص من بُستان العنب الذي يملكه ضمن ماورث من أرض ،ذلك البُستان الذي تتوسطه تكعيبة ومشاية عنب بلدي وعنب أحمر زرعها جدي مُنذ أكثر من ثمانين عاماً ومازالت  تجود بأعذب العناقيد حتى يومنا هذا ، وكان هذا البُستان حين ورثه أبي مُحاطاً من أحد جوانبه "بعزبة " من البيوت الفلاحية الخالية من السُكان ، والتي بناها جده في زمن ماقبل ثورة يوليو حين كان الفلاحون يسكنون في بيوت تعود ملكيتها لصاحب الأرض التي يعملون بها ، و مع مرور السنوات والعقود خلت تلك البيوت تباعاً من سُكانها بالوفاة أو النزوح إلى المدينة أو خلافه ، وبقي بيت واحد في أرض أبي تسكنه سيدة عجوز وحيدة بعد أن تزوج أبناءها وانتقلوا للعيش هُنا أو هناك ... إنها " دار فهيمة " كما يعرفها أهل القرية جميعاً ، وحين قام أبي بعمل ما لاأظن أن أحداً عمله من قبل رُبما في التاريخ كُله ، ألا وهو هدم تلك البيوت الخاوية و تحويلها إلى أرض مزروعة ، وهو الأمر الذي لاصعوبة فيه إذ كانت تلك البيوت من الطوب اللبن فلا أعمده ولا أساسات خرسانية تحول دون إعادة  زراعة الأرض ، حين شرع في ذلك الأمر دارت الخالة فهيمة على أهل القرية تشكو لهُم أن " فاروق أفندي " هايهد عليا البيت و انا ماليش مكان غيره يأويني" ( وفاروق أفندي هو الإسم الذي يدعو به أهل قريتنا أبي إذ أن إسمه في شهادة الميلاد محمد الفاروق فهمي حسين ) ، وحين تناهت مخاوف " الخالة فهيمة " إلى أسماع أبي إبتسم واغرورقت عيناه بالدموع – كعادته حين يتعلق الأمر ببُسطاء الناس – وحين دخل إلى "جنينة العنب " عرج على "دار فهيمة " طارقاً بابها ففتحت له متوجسة فقال لها : " بقى ياخالة فهيمة ييجي ف بالك إن أنا مُمكن أخرجك من دارك أبداً ؟ ده برضه اللي تعرفيه عني ؟! " فاغرورقت عينا المرأة العجوز بالدموع واحتضنته امتناناً ، إستأنف أبي حديثه موضحاً لها أنه يهدم فقط الدور الخاوية ليزرع محلها عنباً ومانجو ، وأنه سيُبقي أيضاً على الدار المجاورة لدارها " حتى لا يترك ظهرها مكشوفاً " .
وبالفعل حول أبي تلك العزبة المهجورة إلا من " الخالة فهيمة " إلى بُستان للعنب البناتي المُتسلق على خطوط من الأسلاك ، تتوسطه التكعيبة والمشاية التي زرعها الجد ، لكن يبقى رُكن كبير على يسار الداخل من بوابة الكرمة يخلو من الأعناب إذ خصصه أبي لأشجار المانجو التي تتخللها بعض أشجار الخوخ والبرقوق والمشمش الأبيض الذي أتى أبي بشتلاته من لبنان ( على خُطى بلدياته الزعيم أحمد عُرابي ) .
بذل أبي الكثير من الجهد والوقت ،والمال أيضاً ليصنع من قطعة الأرض الصغيرة هذه جنته الصغيرة ، وكان أحد أقاربنا يُسميها " كرمة أبو طارق " ، وقالت لي أُمي أن أبي في صباح يومه الأخير في الحياة ، ورغم الحالة الصحية التي كان عليها في يومه الأخير هذا ، إلا أنه تحامل على نفسه وخرج إلى "جنينة العنب " ووقف للحظات ينظُر لكرومها في صمت ثُم عاد إلى داخل البيت ...
***
حين أُجريت لأبي في عام 1998 جراحة القلب المفتوح ( رغم أنه كان طيلة عُمره مفتوح القلب ! ) ذهبت أنا لإحل  محله مؤقتاً في الإشراف على بيع محصول العنب ، وأتى أحد تُجار الفاكهة لشراء العنب ، وبعد أنتهى من الجني والتحميل ولدى خروجه من البُستان نظر إلى أشجار المانجو المُحملة بالثمار ثُم نظر إلى بتردد وسألني على استحياء : و بالنسبة للمنجه دي يابيه مش هاتبيعوها ، فأجبته دون تردُد ، ووفقاً لتعليمات أبي ولرأيي الشخصي أيضاً : لا والله يامعلم مش بنبيع مانجه .
فابتسم قائلاً : أهو انتو كده يا حساينه طول عمركم تزرعوا المنجه وماتبيعوهاش !
و الواقع أن هذا الأمر مرجعه أننا نحن " الحساينه " نأكُل المانجو – جيلاً بعد جيل – بنهم وبكميات لايستطيع أن يُجارينا فيها أحد ، فأتذكر مثلاً أن أبي كان يُحضر "قفص " المانجو ويضعه أمامنا مُباشرة فوق المائدة ونشرع ثلاثتنا ،أبي وشقيقتي وأنا ، في أكل المانجو دون توقف ودون محاولة لإحصاء عدد حبات المانجو التي يتناولها الواحد منا ، وكان معيار التوقف هو الشعور التام بالتُخمة التامة التي قد تصل لصعوبة التنفس ، وهنا يجب أن أوضح امراً هو أنه لم يكن أياً منا يُعاني من السمنة أو حتى الزيادة الطفيفة في الوزن ، والأمر الثاني هو أننا في العموم لانأكُل بإفراط أبداً على هذا النحو الذي نُمارسه تجاه المانجو ، بينما كانت أُمي تكتفي بحبة أو حبتين على الأكثر من المانجو ، والسبب بالطبع واضح : هي ليست ( جينياً ) من " الحساينه "!
و مما يزيد العجب عجباً أن أبي رغم كُل هذه الكميات من المانجو التي توفرها الحديقة والسلاملك ، إلا أنه كان أيضاً يشتري لنا المانجو من القاهرة ! ونحن بالطبع لم نكُن نأكل كُل محصول المانجو وحدنا ، فكان أبي يوزع كميات كبيرة على الأقارب والأصدقاء والجيران ،  لكن ماكان يصلنا و"نلتهمه " كأسرة كان كثيراً جداً ، لكن نهمنا الموروث للمانجو ، و الحرص على تذوق باقي الأنواع غير المزروعة في بستان أبي الصغير ، أمورٌ تتطلب دائماً " مدداً " يوفره أبي بالشراء من بائعي الفاكهة بالقاهرة .
كان هُناك " حامد " بائع الفاكهة الصعيدي المتجول ، والذي كان يربض يومياً  مقهى في الممر الواقع بين  مقهى "سوق الحميدية "  و مقهى “الندوة الثقافية " بباب اللوق بالقاهرة  فكان يعرف رواد المقهيين ويعرفونه بشكل شخصي ، وكان أبي الخبير بأنواع  المانجو وبانتقاء حباتها يتعامل مع " حامد " البائع النزيه ذو الجلباب المكوي النظيف والوجه النيلي الصارم الودود في ذات الوقت ، كان أبي يسأل : بكام كيلو الهندي النهارده يا حامد ، فيُجيب مثلاً : بتلاته جنيه ونص ، فيرد أبي :لأ ، أنا هاخُد الكيلو بأربعة جنيه ، بس لو لقيت منجاية واحده ماتتاكلش هاترجع الفلوس كُلها ، فيُجيب حامد : على ضمانتي يا أُستاذ فهمي .
في ذلك العام ١٩٩٨ الذي حللت فيه - مؤقتاً - محل أبي في بيع العنب ، ثُم جني المانجو،حدث أن قطفت بيدي إحدى ثمار المانجو فسال من محل فصلها عن العنئ (العُنق ) سائل أبيض كاللبن وسقطت قطرة منه على أنفي فترك أثراً يُشبه الحرق على سطح الجلد ،بل هو في واقع الأمر حرقٌ بالفعل إذ عرفتُ فيما بعد من أبي أن هذه مادةٌ كاوية ،وتعلمت أن هُناك طقوس لقطف المانجو ، إذ يجب فصل الثمرة عن العنئ بحذر ثُم وضعها على الأرض مُرتكزة على محل فصلها عن "العنئ" بحيثُ يتكفل التُراب بإطفاء تلك المادة الكاوية ، وكذا عند  رص المانجو في أقفاص يُفضل أن يتم لف كُل ثمرة في بعض الورق أو أن يكون القفص مُقسماً إلى خانات بحيثُ لاتتلامس ثمار المانجو فتتسبب تلك المادة في إحراق الثمار المجاورة .
تعلمتُ هذا فيما بعد من أبي حين عُدت إليه في القاهرة وأنا موسوم على أنفي بذلك الحرق المنجاوي فاستقبلني ضاحكاً ومُعلقاً : أصلك خواجة ، ذلك اللقب الذي أطلقه علي منذ زمن حين حضرت - وكُنت تقريباً في المرحلة الإعدادية - إقامة عائلتنا لإحتفال مولد الرسول عليه الصلاة والسلام أمام البيت الكبير حيثُ حضر المنشدون والمداحون وأُقيمت حلقة للذكر على الطريقة المعروفة ، وسعدت يومها جداً بالإحتفال وشاركتُ في " الذكر" مع أقراني من أبناء العمومة ، ومع اقتراب مولد النبي في العام التالي سألتُ أبي بكُل ثقة : بابا مش هاتعملوا في البلد "زار "زي السنة اللي فاتت ؟ فانفجرضاحكاً ثُم نظر لي بإحباط : " زار ؟! هو انت يابني خواجة مش من هنا ؟! إسمه ذكر ..ذكر .. هه؟
 أما بالنسبة لواقعة حرق "لبن المانجو" لبشرة أنفي فإن الظاهرة الغريبة جداً هي أنني في نفس الموعد من كُل عام يظهر إحمرار يتحول إلى حرق خفيف  في نفس المكان من أنفي !

عودة إلى تلك الظاهرة " المنجاوية " في عائلتنا فإنها كما أسلفت تشمل جميع أفراد عائلة حسين ،وهم بالمئات ، دون استثناء ، وفي واقعة طريفة حكاها يوماً أحد أعمامي رحمه الله ، وكان عُمدة قريتنا ، أنه كان يجلس وحده يوماً في بيته بحي المنيل يأكُل المانجو ، وحدث أن تناول " منجاية " شديدة العذوبة حتى أنه انتشى تماماً بمذاقها ،وتلفت حوله بحثاً عن أحد يُشهده على جمال حبة المانجو هذه فلم يجد أحداً فنظر إلى باب الشقة متحدثاً بصوت مسموع : " طب وحياتك يادي الباب إن دي أطعم منجاية كلتها ف حياتي "!!!
روى لنا عمي هذه الواقعة وهو غارق في الضحك والدهشة من نفسه ،إذ كان عمي هذا تحديداً واحد من أرجح العقول وأخطر الشخصيات التي يُمكن أن تلقاها في حياتك ،وكانت مهابته تمتد لتشمل سائر محافظة الشرقية وبعض المُحافظات المُحيطة،لكنه أمام المانجو يظل واحداً من" الحساينه "!
أتذكر أيضاً أنني في بداية زواجي وكان التعارُف – بعد – حديثاً بيني وبين أُسرة زوجتي ، وبمُناسبة كمية من المانجو لابأس بها أتيت بها من "بني حسين" لبيت حماي رحمه الله ، دار حديث بيني وبين شقيق زوجتي رحمة الله عليه حول المانجو ، تحول لتحدي طريف بيني وبينه حول الُقدرة على تناول أكبر كمية منها فدخلنا في سباق لأكل المانجو ، وفي حين كان يبذل هو جهداً كبيراً لإجبار نفسه على تناول أكبر عدد ممكن من حباتها ، كُنت أنا آكل  بكميات أكبر ودون أدنى جهد وبجواري كوب من عصير المانجو ( أيضاً ) أرشف منه باستمتاع ، إنتهى هذا المشهد بسقوط نسيبي متلوياً من الألم حتى أننا إضطررنا لإحضار الطبيب والذي طلب نقله للمُستشفى فوراً !
ورغم أن أحداً من الحساينة ، أو من أُسرتنا الصغيرة على الأقل ، لم يُعاني صحياً بسبب الإفراط في أكل المانجو ،إلا أنني – وحدي – تعرضت مُنذ بضع سنوات ،وبشكل مُفاجيء إلى "حصوة بالكلية اليُسرى" ، وهو الأمر الذي كان صادماً لي تماماً إذ لايوجد تاريخ مرضي للعائلة في هذا النوع من الأمراض ، ثم توالت الحصوات بعدها من آن لآخر ، وأنا الأن صرت أتعامل مع المانجو تعامُلي مع حُب ضائع ، فالمانجو تدخُل بيتي الآن مرة أو مرتان في الموسم كُله ، و أتناول في حذر حبة أو حبتان على الأكثر  في كُل مرة ، فإذا تناولت أربع أو خمس حبات من المانجو طيلة الموسم أعتبرت هذا إفراط أعالجه باجتراع ماتتحمله معدتي من كميات المياه – المُقطرة بالمُناسبة – مع كيس من الفوار الخاص بالكُلى في كُل مرة ، يبدو إذا أن القدر إختارني لأدفع ضريبة آل حسين كُلهم عن " كُل هذا المانجو " !!!
طارق فهمي حسين 
يوليو 2018 

الأربعاء، 18 يوليو 2018

ليلة سليم حداد



ليلة سليم حداد




في إطار النشاط الثقافي الملحوظ والمُتصاعد الذي يدور بين جنبات أتيليه القاهرة في الفترة الأخيرة عُقدت بالأمس الثُلاثاء 17 يوليو 2018 أُمسية شعرية للشاعر سليم حداد .وسليم حداد هو الإبن الأكبر لوالد الشُعراء فؤاد حداد ، وهو بالأساس مُهندس مدني تخرج من الكُلية الفنية العسكرية وقضى حياته المهنية كمُهندس في السلك العسكري حتى وصل إلى مرحلة التقاعُد ، وكما روى بنفسه في الأُمسية فإن بداياته مع الشعر كانت وهو – بعد – طالب بالثانوي حيثُ كانت أول قصائده في رثاء السيدة أُم كلثوم حين رحلت في عام 1975 ، واستمرت محاولاته الأولى بعض الوقت ، وعرض بعضها على والده فؤاد حداد الذي أبدى استحساناً كبيراً ،كما أبدى أسفه إذ لم يعرض عليه "سليم"أشعاره من قبل إذ قال له :أنني قد نشرت أشعاراً لآخرين أقل كثيراً من أشعارك ،وشجعه على الإستمرار ، إلا أن إلتحاق سليم حداد بالكُلية الفنية العسكرية ،ثُم انخراطه في السلك العسكري إبتعدا به تماماً عن كتابة الشعر ، لكنه وبعد عقود ، وتحديداً في 2007 عاوده الحنين إلى الشعر وغالبه نداء الموهبة الأكيدة فعاد لكتابة الشعر ، حتى كانت ثورة 25 يناير 2011 فتفجرت موهبة سليم حداد وانسال مخزون تجربته الحياتية وثقافته الواسعة متدفقين في نهر موهبته الهادر فإذا به – وكما أخبرنا في الأمسية – يكتب تقريباً   "كُل يوم قصيدة " حتى أثمر ذلك عدداً من الدواوين ، تم نشر ديوانان منها حتى الآن وعدد آخر من الدواوين تنتظر الطبع ، أو بالأحرى تنتظرها – بلهفة – المطابع .
ألقى سليم حداد في الأُمسية عدداً من القصائد والتي تُفصح عن إنشغال شاعرنا بالوطن وبالإنسان ، وأيضاً بالحُب والجمال ، وتنُم عن مشروع شعري مُختلف ومُتميز.
حضر الأُمسية جمهور مُتميز من الشعُراء والكُتاب والنُقاد كان منهُم الشاعر الكبير سمير عبد الباقي ، والشاعر الكبير أمين حداد ، و الشاعر والروائي أحمد الجنايني رئيس مجلس إدارة الأتيليه والشُعراء أحمد حداد وحُسام حداد ، والكاتب الصحفي والأديب ،أُسامة الرحيمي ، والروائية الكبيرة مُنى الشيمي ، و المُثقف الكبير تامر هاجوج ، والأديب سعد الدين حسن ، والناقد د. شبل الكومي ، والشاعر والمسرحي علي أبو سالم والكاتب والمؤرخ يوسف محمد و د. أُمنية عامر الأُستاذ  بكُلية الآداب
أدار الأُمسية الأُستاذ الكاتب  والناقد أمل سالم مسئول اللجنة الأدبية بأتيليه القاهرة، والذي يقف خلف النشاط  المتميز   والحياة التي دبت في أركان أتيليه القاهرة ، وأعادته مركزاً حقيقياً للإشعاع الثقافي ، وعاد مقصداً للمُثقفين من أعضاء الأتيليه وسواهم .
 امل سالم  دعا الحضور للحوار حول الشاعر وأشعاره التي ألقيت في الأمسية ، حيث شهدت الندوة   مداخلات  ساخنة "   فأدلى الشاعر والمسرحي علي أبو سالم برأيه وانطباعاته الأولي حول أشعار سليم حداد ، في حين ألقى الشاعر الكبير سمير عبد الباقي باللوم على مُنظم الأُمسية بأنه لم يقم بدعوة أحد أو بعض النُقاد لتناول أشعار سليم حداد بالنقد ، وأوضح الأُستاذ أمل سالم ، وأيده في ذلك الشاعر سليم حداد نفسه أن هذه الأُمسية تُمثل بطاقة تعارُف أولية مع الشاعر ومايكتُب من أشعار ، ورُبما يتم ما طالب به الشاعر سمير عبد الباقي في لقاءات تالية .
كما عبر الشاعر سمير عبد الباقي عن أنه كان يتمنى أن تكون الأمسية بمثابة " ليلة حدادية " نستمع فيها إلى أشعار كل من أمين وأحمد وحُسام حداد إلى جانب سليم حداد ، وكذا إلى السرد القصصي للكاتب حسن حداد ، وأن يتوج كُل ذلك بإلقاء أشعار فؤاد حداد ، وعلق من بين الحضور طارق فهمي حسين ( كاتب هذه السطور ) بأن ذلك كان سيحول الأمسية إلى أمسية لفؤاد حداد ، وهذا رغم كونه بالطبع شيْ جميل ومطلوب ، لكنه أيضاً على الجانب الآخر يحق لكُل من هؤلاء المُبدعين – و إن حملوا جميعهم لقب حداد وافتخروا به – لكنه يحق لكُل منهم أن يعبر عن نفسه وعن إبداعه الخاص دون أن يُلقي  العملاق فؤاد حداد بظلاله على هذه الإبداعات التي يتميز بها كُل واحد منهم ، ولخص الشاعر الشاب حُسام حداد الأمر ببلاغة بقوله أنه – وأنهم جميعاً – يعتزون ويفخرون بحمل إسم فؤاد حداد في شهادات الميلاد ، وليس في الشعر لأنهم أولاً لايريدون ولا يستطيعون أن يسقطوا في فخ المُقارنة التي لاسبيل إليها بالنسبة لأي شاعر ، وثانياً لأن لكل منهم شخصيته الشعرية المُستقلة ، والتي لم تتأثر بعالم فؤاد حداد الشعري إلا بالقدر الذي تأثر وسوف يتأثر به دائماً كُل من يصف نفسه بأنه شاعر ، وإن كان أبناء فؤاد حداد يتمتعون بالتأكيد بميزة العيش في بيته وفي أجواء هذا البيت المسكونة بالشعر .
كانت بالتأكيد أُمسية شديدة الجمال ، عطرها الشاعر سليم حداد بعدد من قصائده النابضة بالحياة والمُفعمة بالفكر والجمال معاً ، وترك الحضور في لهفة وترقب لتلقف القادم من دواوينه .

طارق فهمي حسين
يوليو ٢٠١٨
=================
تم نشر هذا المقال بموقع "بتانة نيوز بتاريخ الأربعاء ١٨ يوليو ٢٠١٨

رابط المقال :

http://41.65.186.201/news-details.aspx?Q=45306&C=3