#معرض_الكتاب_٢٠٢٠
==============
هلع …
====
لكل زيارة أقوم بها للمعرض -فضلا عن الاطلاع على المزيد من عناوين الكتب واقتناء بعضها- أهدافا محددة مثل حضور ندوة أو فعالية بعينها، أو لقاء صديق أو آخر، وهكذا…
وكان من اهداف زيارة اليوم ان ألتقي الصديقة، والأخت الكاتبة والشاعرة متعددة المواهب ريم خيري شلبي فأحضر توقيعها لهذا الكتاب الجديد عن الراحل الكبير والحكاء العظيم العم خيري شلبي.
كان الموعد في جناح دار أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي (صالة ١/ B5) في تمام الساعة الثالثة عصرا، موعد مناسب جدا، صليت الجمعة بمسجد الثكنات بالمعادي وبعد الصلاة ركبت سيارتي واتجهت إلى المعرض .
* فلاش باك :
========
لأني لم اعد امتلك الطاقة العصبية والنفسية على القيادة في ما يسمى بالطريق الدائري، والذي هو أشبه بحلبة لسباق السيارات؛غير أنه في سباق السيارات توجد قواعد وضوابط حاكمة، أما على "دائرينا" الأغر فالحماقة والرعونة وحدهما هما القانون الحاكم، ويزداد الأمر وطأة على أمثالي في طريق العودة بعد أن يحل الظلام، لذا فقد فضلت في زيارتي الأولى للمعرض يوم الجمعة الماضي ان استخدم خدمة سيارات "أوبر" العصرية التكنولوچية الرقمية الچي بي إسية اللوذعية!
أوصلني السائق المهذب إلى باب المعرض، وأعادني في نهاية اليوم سائق أكثر تهذيبا حتى باب بيتي سالما غانما.
دفعت في تذكرة دخول معرض الكتاب خمسة جنيهات، ودفعت لخدمة" اوبر" ذهابا وإيابا بين المعادي والمعرض ما مجموعه ٢١٠جم( مائتان وعشرة جنيهات مصرية)!!!
*فلاش لقدام🤔(النهارده يعني):
===================
انطلقت بسيارتي من المعادي إلى معرض الكتاب في حوالي الساعة الواحدة إلا الربع ظهرا( ١٢،٤٥) فوصلت بسهولة وسرعة إلى نطاق منطقة المعرض في حوالي الساعة الواحدة والربع(١،١٥) ، الطريق رائق والأسفلت ناعم إلا من النسبة المقررة من الفخاخ المميتة المتمثلة في عدد من الحفر المتناثرة على مسافات متباعدة ، أو البالوعات مربعة الشكل ذات الحواف الحديدية الحادة والمنخفضة بوضوح عن مستوى الطريق، أو بعض اجزاء من الطريق تغطي الرمال جانبا منها بحيث تجبرك على الانحراف فجأة لتفاديها تجنبا لانقلاب السيارة بسبب الرمال، فتواجه احتمال انقلابها بسبب الانحراف المفاجىء على سرعة عالية، اي أن خطر"الانقلاب" قائم في كل الأحوال! كل هذا عادي ومفهوم وفقا لمعايير الطرق المصرية المبغضة للبشر راكبين كانوا أم مترجلين، نستطيع أن نسميه مثلا "الكود المروري المصري لمواجهة الزيادة السكانية"!… الشمس مشرقة والجو دافىء، والطريق موحش يشق صحراء قاحلة…
قبل أن تلوح في الأفق أسوار وبوابات المعرض؛ سدت ذات الأفق أكوام لا حصر لها من السيارات، اكتظت ساحات الإنتظار" المعدة" لاستقبال سيارات زوار المعرض حتى أغلق المنظمون لها أبوابها رافضين استقبال المزيد من السيارات! وقد تلاحظون أنني وضعت كلمة "معدة" بين اقواس صغيرة؛ إذ يبدو أن مفهوم إعداد مكان ما لغرض ما يختلف عند القائمين على ذلك"الإعداد" عنه لدينا نحن عموم الناس! فمثلا انحصر إعداد تلك الساحات التي أتحدث عنها في فرش مساحات من الصحراء المحيطة بحصى أسفلتي دون تمهيد أو رصف فعلي، وفتح مداخل ومخارج محددة لتلك المساحات ، المرتفعة بطبيعتها عن سطح الشارع والرصيف، وتحصيل عشرة جنيهات من كل سيارة تدخل إلى تلك"التبة" الواسعة نصف الممهدة.
المهم ان الساحة اكتظت؛ فأغلقت مداخلها، وفي مرونة حقيقية محمودة سمح رجال المرور للسيارات بالاصطفاف بجوار الرصيف الأيمن حتى أكتمل، ثم سمحوا بالرصيف الأيسر، ثم جانبي الطريق المؤدي للعودة للطريق الدائري، ثم كل ثغرة متاحة، ورغم ذلك ظلت عشرات، بل مئات السيارات تجوب الشارع ذهابا وإيابا بحثا عن مكان، وأنا معهم بالطبع!
الوقت يمر، ورائحة الأعصاب المحترقة تملأ الجو والزهد في الثقافة والقراءة بل والحياة خارج جدران شقتي الصغيرة يتسلل إلى النفس، لكن طيف وجه العم خيري شلبي المبتسم يخايلني فأخجل من نفاد صبري، أحاول الاتصال تليفونيا ب_ريم فتفشل الشبكة مرارا، أغلق الموبايل وأعيد تشغيله بلا جدوى، أخيرا نجحت في إرسال رسالة ع الماسنچر:
- إنت فين يا ريم؟
- أنا لسه واصلة المعرض دلوقت😥
كانت الساعة قد أصبحت الرابعة إلا الربع (٣،٤٥)، نعم ساعتان ونصف من عمر الزمان وأنا- ومئات غيري- محشورون في صفوف تزحف ببطءجيئة وذهابا بجوار سور المعرض ولا نستطيع إلى الدخول سبيلا؛ إذ أين نترك تلك الأقفاص الحديدية التي نجلس فيها ونظن أننا نقودها؟!
تصاعدت حرارة ذلك السائل الذي يجري في عروقي حتى أضاءت في رأسي لمبة حمراء، لكن لا توجد مروحة تبريد ما، فوجدتني عند نهاية إحدى الدورات التي لم أحاول أن احصيها، وجدتني أفلت من الصف وانطلق باتجاه الطريق الدائري عازما على العودة إلى بيتي الحبيب غير عابىء حتى بالتقاط خفي حنين، وبالفعل قطعت بضعة عشرات من الأمتار على الطريق الرائق المبتعد بي عن فوهة الجحيم لكن وجه العم خيري عاد يخايلني بابتسامته مستحيلة المقاومة، وانضم إليه وجه العم زين العابدين فؤاد-حفظه الله- بابتسامته الودود ونظرة معتاتبة: هل ستفوت ندوة تكريم إسم الناقد الكبير إبراهيم فتحي؟هل ستستغني عن الاستماع إلى كلمة عمنا الشاعر المناضل زين العابدين فؤاد، وحكاياه وشهاداته على عدد من أجمل وانبل من أنجبت مصر والذين زاملهم وزاملوه على طريق طويل من الإبداع والنضال والمعاناة؟
فجأة راودتني لافتة إرشادية ذات خلفية بنية اللون كالحة المنظر: " إلى منطقة المعارض الدولية" فوجدتني أتبع اللافتة عائدا إلى جحيم السيارات، نصف ساعة إضافية وجاء الفرج فترجلت من قفصي الحديدي بعد أن سمح لي بإدخاله إلى ساحة الانتظار حيث اقترب المغرب وعاد عدد لا بأس به من أصحاب السيارات إلى بيوتهم فتركوا لأمثالي مجالا .
ترجلت وعبرت باتجاه المعرض، وعلى رصيف المنتصف التقت عيناي بعيني رب أسرة يعبر بأسرته، وجدتني أقول له دون سابق معرفة:
- أنا من الساعة واحدة وربع ب احاول اركن.
أجابني بعينين مغرورقتين بالدموع:
-وانا كمان!
دخلت مهرولا إلى جناح دار أطلس:
- الأستاذة ريم خيري شلبي جت ؟
- لأ لسه.
أحاول الاتصال بها، لا توجد شبكة، أخرج إلى باحة المعرض لعل الشبكة تجىء، لا فائدة، أطفىء المويايل وأعيد تشغيله( ده بعينك)
أعود إلى جناح أطلس واكرر السؤال عن ريم، لا والله هي لسه من شوية كانت هنا ومشيت😂
أتذكر موعد ندوة إبراهيم فتحي، أهرول نحو المبنى الذي توجد به القاعة، واصعد السلم الكهربائي المريح، أدخل إلى القاعة ، ألمح اكثر من وجه محبب لاكثر من صديق، أجلس لأستمع إلى كلام شاعرنا الكبير زين العابدين فؤاد، كالعادة كلام صادق ودافىء وغني بالمعلومات والوقائع التاريخية، يتم تشغيل مقاطع من فيلم يصور تكريما سابقا منذ سنوات للناقد الكبير إبراهيم فتحي، في الفيلم أرى في الحضور وجوها جميلة بعضها غاب كالجميل العظيم محمود أمين العالم، وبعضها مازال يملأ حياتنا جمالا وإبداعا كالروائي الكبير ابراهيم عبد المجيد، وبعضها، ويا للجمال يظهر في الفيلم، ويجلس أيضا حاليا في القاعة ليشاهد معنا، مثل الأستاذة شهرت العالم، تظهر في الفيلم أكثر سعادة وأوسع ابتسامة، كيف لا وهي تجلس تماما خلف ابيها، أو أبانا جميعا: محمود أمين العالم… في الفيلم أيضا نستمع إلى كلمات ابراهيم فتحي تقطر وعيا وعذوبة ومودة لمن تعلم منهم وإن اختلف مع بعضهم، مستوى من الوعي والقيم والسلوك لا يرقى إليه الكثير من الناس…
ينتهي عرض المقتطفات، تطفأ الشاشة، وتضاء القاعة وتستأنف الكلمات، يرتقي المنصة احد المثقفين ممن صادقوا إبراهيم فتحي على مدار اثنان وخمسون عاما حسبما قال، يتكلم بشكل جميل،ومستحق، عن شخص ابراهيم فتحي وفكره ومواقفه، ولا يجد من بينها ما يسهب فيه أكثر من تحليل سلبي ما حول عبد الناصر وثورته وتجربته، يبدو أن الرجل جاء في الأساس لينتقم من عبد الناصر لا ليكرم ابراهيم فتحي! أشعر بغصة في الحلق، فضلا عن الجوع وإرهاق بروڤة "الحشر" التي خضتها فأغادر القاعة والمعرض عائدا إلى السيارة، محاولة أخيرة للاتصال ب ريم، رنين جرس طال الشوق إليه!
- أيوه يا ريم،انتي فين؟
-أنا مشيت، ما قدرتش، إيه الناس دي كلها، ومين دول اللي جايين ياكلوا ويقعدوا ع الأرصفة بس؟!
- هو انتي كنتي ركنتي ازاي؟
- لأ أنا جيت في تاكسي.…( يا بختك)
- يا خسارة، أنا كنت جايبالك نسخة من الكتاب.
- ما انا خدتها طبعا، وانا كنت جايب لك نسخة من أصل السبب، حاولي تيجي الأحد ندوة القديس(عبد الرحمن الخميسي)، أشوفك وتكتبي لي الإهداء.
- إن شاء الله.
أشعر بسكينة مفاجئة، انظر في مرآة السيارة فأجد فهمي حسين و خيري شلبي على الكنبة الخلفية غارقين في الضحك!
==============
هلع …
====
لكل زيارة أقوم بها للمعرض -فضلا عن الاطلاع على المزيد من عناوين الكتب واقتناء بعضها- أهدافا محددة مثل حضور ندوة أو فعالية بعينها، أو لقاء صديق أو آخر، وهكذا…
وكان من اهداف زيارة اليوم ان ألتقي الصديقة، والأخت الكاتبة والشاعرة متعددة المواهب ريم خيري شلبي فأحضر توقيعها لهذا الكتاب الجديد عن الراحل الكبير والحكاء العظيم العم خيري شلبي.
كان الموعد في جناح دار أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي (صالة ١/ B5) في تمام الساعة الثالثة عصرا، موعد مناسب جدا، صليت الجمعة بمسجد الثكنات بالمعادي وبعد الصلاة ركبت سيارتي واتجهت إلى المعرض .
* فلاش باك :
========
لأني لم اعد امتلك الطاقة العصبية والنفسية على القيادة في ما يسمى بالطريق الدائري، والذي هو أشبه بحلبة لسباق السيارات؛غير أنه في سباق السيارات توجد قواعد وضوابط حاكمة، أما على "دائرينا" الأغر فالحماقة والرعونة وحدهما هما القانون الحاكم، ويزداد الأمر وطأة على أمثالي في طريق العودة بعد أن يحل الظلام، لذا فقد فضلت في زيارتي الأولى للمعرض يوم الجمعة الماضي ان استخدم خدمة سيارات "أوبر" العصرية التكنولوچية الرقمية الچي بي إسية اللوذعية!
أوصلني السائق المهذب إلى باب المعرض، وأعادني في نهاية اليوم سائق أكثر تهذيبا حتى باب بيتي سالما غانما.
دفعت في تذكرة دخول معرض الكتاب خمسة جنيهات، ودفعت لخدمة" اوبر" ذهابا وإيابا بين المعادي والمعرض ما مجموعه ٢١٠جم( مائتان وعشرة جنيهات مصرية)!!!
*فلاش لقدام🤔(النهارده يعني):
===================
انطلقت بسيارتي من المعادي إلى معرض الكتاب في حوالي الساعة الواحدة إلا الربع ظهرا( ١٢،٤٥) فوصلت بسهولة وسرعة إلى نطاق منطقة المعرض في حوالي الساعة الواحدة والربع(١،١٥) ، الطريق رائق والأسفلت ناعم إلا من النسبة المقررة من الفخاخ المميتة المتمثلة في عدد من الحفر المتناثرة على مسافات متباعدة ، أو البالوعات مربعة الشكل ذات الحواف الحديدية الحادة والمنخفضة بوضوح عن مستوى الطريق، أو بعض اجزاء من الطريق تغطي الرمال جانبا منها بحيث تجبرك على الانحراف فجأة لتفاديها تجنبا لانقلاب السيارة بسبب الرمال، فتواجه احتمال انقلابها بسبب الانحراف المفاجىء على سرعة عالية، اي أن خطر"الانقلاب" قائم في كل الأحوال! كل هذا عادي ومفهوم وفقا لمعايير الطرق المصرية المبغضة للبشر راكبين كانوا أم مترجلين، نستطيع أن نسميه مثلا "الكود المروري المصري لمواجهة الزيادة السكانية"!… الشمس مشرقة والجو دافىء، والطريق موحش يشق صحراء قاحلة…
قبل أن تلوح في الأفق أسوار وبوابات المعرض؛ سدت ذات الأفق أكوام لا حصر لها من السيارات، اكتظت ساحات الإنتظار" المعدة" لاستقبال سيارات زوار المعرض حتى أغلق المنظمون لها أبوابها رافضين استقبال المزيد من السيارات! وقد تلاحظون أنني وضعت كلمة "معدة" بين اقواس صغيرة؛ إذ يبدو أن مفهوم إعداد مكان ما لغرض ما يختلف عند القائمين على ذلك"الإعداد" عنه لدينا نحن عموم الناس! فمثلا انحصر إعداد تلك الساحات التي أتحدث عنها في فرش مساحات من الصحراء المحيطة بحصى أسفلتي دون تمهيد أو رصف فعلي، وفتح مداخل ومخارج محددة لتلك المساحات ، المرتفعة بطبيعتها عن سطح الشارع والرصيف، وتحصيل عشرة جنيهات من كل سيارة تدخل إلى تلك"التبة" الواسعة نصف الممهدة.
المهم ان الساحة اكتظت؛ فأغلقت مداخلها، وفي مرونة حقيقية محمودة سمح رجال المرور للسيارات بالاصطفاف بجوار الرصيف الأيمن حتى أكتمل، ثم سمحوا بالرصيف الأيسر، ثم جانبي الطريق المؤدي للعودة للطريق الدائري، ثم كل ثغرة متاحة، ورغم ذلك ظلت عشرات، بل مئات السيارات تجوب الشارع ذهابا وإيابا بحثا عن مكان، وأنا معهم بالطبع!
الوقت يمر، ورائحة الأعصاب المحترقة تملأ الجو والزهد في الثقافة والقراءة بل والحياة خارج جدران شقتي الصغيرة يتسلل إلى النفس، لكن طيف وجه العم خيري شلبي المبتسم يخايلني فأخجل من نفاد صبري، أحاول الاتصال تليفونيا ب_ريم فتفشل الشبكة مرارا، أغلق الموبايل وأعيد تشغيله بلا جدوى، أخيرا نجحت في إرسال رسالة ع الماسنچر:
- إنت فين يا ريم؟
- أنا لسه واصلة المعرض دلوقت😥
كانت الساعة قد أصبحت الرابعة إلا الربع (٣،٤٥)، نعم ساعتان ونصف من عمر الزمان وأنا- ومئات غيري- محشورون في صفوف تزحف ببطءجيئة وذهابا بجوار سور المعرض ولا نستطيع إلى الدخول سبيلا؛ إذ أين نترك تلك الأقفاص الحديدية التي نجلس فيها ونظن أننا نقودها؟!
تصاعدت حرارة ذلك السائل الذي يجري في عروقي حتى أضاءت في رأسي لمبة حمراء، لكن لا توجد مروحة تبريد ما، فوجدتني عند نهاية إحدى الدورات التي لم أحاول أن احصيها، وجدتني أفلت من الصف وانطلق باتجاه الطريق الدائري عازما على العودة إلى بيتي الحبيب غير عابىء حتى بالتقاط خفي حنين، وبالفعل قطعت بضعة عشرات من الأمتار على الطريق الرائق المبتعد بي عن فوهة الجحيم لكن وجه العم خيري عاد يخايلني بابتسامته مستحيلة المقاومة، وانضم إليه وجه العم زين العابدين فؤاد-حفظه الله- بابتسامته الودود ونظرة معتاتبة: هل ستفوت ندوة تكريم إسم الناقد الكبير إبراهيم فتحي؟هل ستستغني عن الاستماع إلى كلمة عمنا الشاعر المناضل زين العابدين فؤاد، وحكاياه وشهاداته على عدد من أجمل وانبل من أنجبت مصر والذين زاملهم وزاملوه على طريق طويل من الإبداع والنضال والمعاناة؟
فجأة راودتني لافتة إرشادية ذات خلفية بنية اللون كالحة المنظر: " إلى منطقة المعارض الدولية" فوجدتني أتبع اللافتة عائدا إلى جحيم السيارات، نصف ساعة إضافية وجاء الفرج فترجلت من قفصي الحديدي بعد أن سمح لي بإدخاله إلى ساحة الانتظار حيث اقترب المغرب وعاد عدد لا بأس به من أصحاب السيارات إلى بيوتهم فتركوا لأمثالي مجالا .
ترجلت وعبرت باتجاه المعرض، وعلى رصيف المنتصف التقت عيناي بعيني رب أسرة يعبر بأسرته، وجدتني أقول له دون سابق معرفة:
- أنا من الساعة واحدة وربع ب احاول اركن.
أجابني بعينين مغرورقتين بالدموع:
-وانا كمان!
دخلت مهرولا إلى جناح دار أطلس:
- الأستاذة ريم خيري شلبي جت ؟
- لأ لسه.
أحاول الاتصال بها، لا توجد شبكة، أخرج إلى باحة المعرض لعل الشبكة تجىء، لا فائدة، أطفىء المويايل وأعيد تشغيله( ده بعينك)
أعود إلى جناح أطلس واكرر السؤال عن ريم، لا والله هي لسه من شوية كانت هنا ومشيت😂
أتذكر موعد ندوة إبراهيم فتحي، أهرول نحو المبنى الذي توجد به القاعة، واصعد السلم الكهربائي المريح، أدخل إلى القاعة ، ألمح اكثر من وجه محبب لاكثر من صديق، أجلس لأستمع إلى كلام شاعرنا الكبير زين العابدين فؤاد، كالعادة كلام صادق ودافىء وغني بالمعلومات والوقائع التاريخية، يتم تشغيل مقاطع من فيلم يصور تكريما سابقا منذ سنوات للناقد الكبير إبراهيم فتحي، في الفيلم أرى في الحضور وجوها جميلة بعضها غاب كالجميل العظيم محمود أمين العالم، وبعضها مازال يملأ حياتنا جمالا وإبداعا كالروائي الكبير ابراهيم عبد المجيد، وبعضها، ويا للجمال يظهر في الفيلم، ويجلس أيضا حاليا في القاعة ليشاهد معنا، مثل الأستاذة شهرت العالم، تظهر في الفيلم أكثر سعادة وأوسع ابتسامة، كيف لا وهي تجلس تماما خلف ابيها، أو أبانا جميعا: محمود أمين العالم… في الفيلم أيضا نستمع إلى كلمات ابراهيم فتحي تقطر وعيا وعذوبة ومودة لمن تعلم منهم وإن اختلف مع بعضهم، مستوى من الوعي والقيم والسلوك لا يرقى إليه الكثير من الناس…
ينتهي عرض المقتطفات، تطفأ الشاشة، وتضاء القاعة وتستأنف الكلمات، يرتقي المنصة احد المثقفين ممن صادقوا إبراهيم فتحي على مدار اثنان وخمسون عاما حسبما قال، يتكلم بشكل جميل،ومستحق، عن شخص ابراهيم فتحي وفكره ومواقفه، ولا يجد من بينها ما يسهب فيه أكثر من تحليل سلبي ما حول عبد الناصر وثورته وتجربته، يبدو أن الرجل جاء في الأساس لينتقم من عبد الناصر لا ليكرم ابراهيم فتحي! أشعر بغصة في الحلق، فضلا عن الجوع وإرهاق بروڤة "الحشر" التي خضتها فأغادر القاعة والمعرض عائدا إلى السيارة، محاولة أخيرة للاتصال ب ريم، رنين جرس طال الشوق إليه!
- أيوه يا ريم،انتي فين؟
-أنا مشيت، ما قدرتش، إيه الناس دي كلها، ومين دول اللي جايين ياكلوا ويقعدوا ع الأرصفة بس؟!
- هو انتي كنتي ركنتي ازاي؟
- لأ أنا جيت في تاكسي.…( يا بختك)
- يا خسارة، أنا كنت جايبالك نسخة من الكتاب.
- ما انا خدتها طبعا، وانا كنت جايب لك نسخة من أصل السبب، حاولي تيجي الأحد ندوة القديس(عبد الرحمن الخميسي)، أشوفك وتكتبي لي الإهداء.
- إن شاء الله.
أشعر بسكينة مفاجئة، انظر في مرآة السيارة فأجد فهمي حسين و خيري شلبي على الكنبة الخلفية غارقين في الضحك!
طارق فهمي حسين
٣١ يناير ٢٠٢٠
٣١ يناير ٢٠٢٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق