الثلاثاء، 18 فبراير 2020

طيفان .

طيفان.

اليوم، بل مُنذ دقائق وأنا أتأهب للاستيقاظ خايلتني صورها على الشاشة الداخلية لجفوني المُقفلة بعد... رأيتُها وجهًا عشرينيًا لا نظير لجماله ، ويحرس خط الكُحل عينيها الجميلتين، وغُرةٌ من شعرها الناعم القصير تُزين جبينها المُضىء، ثُم تلت تلك الصورة صورة أُخرى لها وقد تجعد شعرها الناعم، وارتدت زيًا عسكريًا مُرقطًا، وحملت رشاشها روسي الصُنع؛ أو- للدقة- سوڤيتي الصُنع في ذلك الزمان... ثُم صورتها الأخيرة وقد تمدد جسدها الطاهر الذي لم يمسسه بشر على تُراب الوطن السليب مُخضبًا بالدماء وقد سقط رشاشها إلى جوارها خاليةٌ خزنته من الطلقات التي لم تدخرها فتاتي ولم تبخل بها علي صدور أعداء الحياة... راقدة مُعمدةٌ بدمائها وقد انحسرت الثياب عن خاصرتها ، وكلبٌ صهيوني يقبض على شعر رأسها الجميل محاولًا الظهور بمظهر المُنتصر أمام عدسات المُصورين، لكن شبح ابتسامة جانبية على وجه فتاتي يشي للعالم بحقيقة ماحدث، وكأنما تسأل واثقة: " لمن المُلك اليوم" علي هذه البُقعة من الأرض؟
ولا أدري ، ورُبما أدري جيدًا، لِمَ ذكرتني هذه الصورة الأخيرة بصورةٍ أُخرى لفتاةٍ أُخرى مُمددة على أسفلت أكبر ميادين مدينتها وقد انحسر الثوب أيضًا عن بعض جسدها إذ تحلّق حولها بعض كلاب البشر وأخذوا يتنازعون الثوب، ويركلون الجسد الضعيف بأحذيتهم الثقيلة البغيضة!
الأولى يعرفُها العالم باسمها الذي رُبما علّمه الله لآدم ضمن "الأسماء كُلها"…إنها دلال.. دلال المغربي... دلال سعيد المغربي إحدى الرايات الخفاقة على أرض فلسطين، والغصّة التي في حلوق أشباه الرجال.. حتى الأبد...
أما الثانية فلم نعرف لها اسمًا فلقبها ضميرنا الجمعي بـ " ست البنات"، وأراها أيضًا" ست الرجال" كذلك... هي أيضًا رايةٌ خفّاقةٌ ضمن آلاف الرايات فوق الميدان الذي مهما أُنفق من ملايين لإخفاء معالم ما كان فيه بدعوى" التطوير، فستظل رايات "ست البنات" ورفاقها خفّاقةٌ عاليًا في سماءه، شاهدة على كُل ما كان، ومُبشرة بما سوف يأتي به غدٌ ما...
صباح الخير يا دلال ، صباح الخير يا ست البنات ، صباح الخير يا كُل نسل أسماء وجميلة و كُل لآلىء عقد مُمتد عبر تاريخنا الطويل...

طارق فهمي حسين
١٨ فبراير ٢٠٢٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق