الاثنين، 1 يونيو 2020

#ذكريات_لاتُنسى.



بعد حرب العاشر من رمضان أقامت الدولة على أرض المعارض بالجزيرة( مكان دار الأوبرا حاليًا) معرضًا أسمته:" معرض الغنائم". عرضت فيه كميات ضخمة من الأسلحة والدبابات التي تم الاستيلاء عليها من جيش العدو الصهيوني، وتوافد المصريون بالآلاف لزيارة هذا المعرض، لم يكُن معرضًا لبيع السلع، ولا الكُتب، وإنما كان معرضًا للفخار والرجولة وبطولات شباب هذا الوطن حين تتح لهم الفُرصة ليكشفوا عن عظمة معدن هذا الشعب العظيم فلا يُقّصرون، بل يأتون بالمُعجزات.
كُنت حين انطلقت حرب رمضان طالبًا بالمرحلة الثانوية، وتم إغلاق المدراس بكُل مراحل التعليم باستثناء المرحلة الثانوية باعتبار أن المدارس الثانوية كانت قد اعُتبرت، ومُنذ ما بعد ٦٧ "مدارس عسكرية" وأضيفت للمناهج التي ندرسها مادة" التربية العسكرية" وتسلمنا بالفعل زيًا عسكريًا رمادي اللون و" قايش" وحذاء عسكري ثقيل، وكُنا نتلقى هذه المادة على أيدي ضُباط بالقوات المُسلحة ( في ظني ضُباط احتياط)، ونذهب إلى المدرسة السعيدية في أيام مُحددة للتدرب على "ضرب النار" بالبُندقية "حكيم".
كُل هذا: استمرارنا في الدراسة دون باقي مراحل التعليم، وزي التربية العسكرية،والتدريب على السلاح مُنذ ما قبل الحرب؛ ملأني إحساسًا بالزهو والجدية وبأنني وكُل طُلاب الثانوي جُزء لا يتجزأ من المعركة ومن الجيش الجسور الذي خاضها، كُنت لا أنسى في الصباح قبل النزول إلى المدرسة أن أُلقي نحو شقيقتي الصغيرة ( تلميذة الإعدادي) نظرة مُباهاة ، فهي وكُل زميلاتها وزمُلاءها في الإعدادي والابتدائي قابعون في البيوت ومدارسهم مُغلقة، بينما أنا وأقراني ننزل كُل صباح بزينا العسكري "لنخوض غمار الخطر" وصولًا إلى مدارسنا " لنُشارك" في المعركة مُتمترسين خلف مقاعد الدرس !
بالطبع لم يكُن هُناك أي " خطر" إذ أن جمال عبد الناصر لم يُغادر الدُنيا قبل أن يترُك لنا حائط الصواريخ الشهير الذي جعل جرائم مثل قصف مدرسة بحر البقر ومصنع أبو زعبل، ماض لا سبيل إلى تكراره، فضلًا عن أن جيش المليون فلّاح وعامل ومُهندس الذي كان يُقاتل على خط النار لم يترُك - علي الأقل في الأيام الأولى للحرب- مجالًا للعدو لأن يلتقط أنفاسه وهو يولي مُدبرًا، فما بالنا بمجرد التفكير في مُهاجمة العُمق المصري!
انتهت المعركة، وأُقيم معرض الغنائم كما ذكرت، وتوافدنا عليه بالآلاف، ونظمت مدستي رحلة؛ بل رحلات لزيارته، أعداد ضخمة من الدبابات التي تحمل تلك العلامة الكريهة على شكل زاوية حادة، وبعض كلمات باللُغة العبرية الميتة، تملأ أرض المعارض ويُجللها الخزي وعاري العدوان والهزيمة معًا، رأيت أيضًا " طائرة بدون طيار" وهي تتدلى من سقف إحدى قاعات العرض وقد تم تعليقها من جناحيها والذيل والمقدمة بأسلاك دقيقة!
وفي أول شارع المعرض من ناحية كوبري الجلاء وأمام بوابة الدخول وشباك التذاكر تم وضع إحدى تلك الدبابات إعلانًا عن المعرض ، ولما كانت مدرستي الثانوية بالعجوزة وبيتنا في وسط البلد، ولما كُنت وصديقي وزميلي صلاح عُثمان علي سعيد نعود سويًا إلى بيتينا مشيًا علي الأقدام في هواية لازمتني عُمرًا، فقد كان المعرض والدبابة القابعة على بابه في مسار طريقنا اليومي..طريق العودة؛ لما كان الأمر كذلك فقد كانت هوايتنا أن ندخُل في مُعظم الأيام إلى معرض الغنائم لنُشاهد مرارًا وتكرارًا " ما شاركنا" في اغتنامه بصمودنا" البطولي" في فصول المدرسة الثانوية!
كان هُناك مُصور مُتجول كالذين يتواجدون على الشواطىء في المصايف يتواجد يوميًا بجوار دبابة شباك التذاكر عارضًا خدماته لتسجيل اللحظة، على أن يقوم بتسليم الصور في اليوم التالي... فكانت هذه الصورة .
في الصورة: من يسار الناظر للصورة: طارق فهمي حسين- صلاح عُثمان علي سعيد( رحمة الله عليه) ثُم أحد الجنود المُكلفين بحراسة الدبابة/ الغنيمة، جالسين فوق الدبابة ونحن نلوح بعلامة النصر.
طارق فهمي حسين
رمضان ١٤٤١/ مايو ٢٠٢٠


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق