هذا الكتاب، ودون أدنى مُبالغة، قطعة من الجمال والمُتعة الخالصة؛ فضلًا عن الإضافة الثقافية والمعلوماتية الكبيرة التي يشعُر بها المرء بعد الانتهاء من قراءته. هو ينتمي إلى ذلك النوع من الكُتب الذي تشعُر بعد أن تقرأه بأنك أكثر معرفة وأوسع أُفقًا، فضلًا عن النشوة الحقيقية الناتجة عن كمّ الجمال الذي تنطوي عليه صفحات الكتاب.
"تلابيب الصورة" اسمٌ اختاره المؤلف الأُستاذ الكبير سعيد شيمي بدقة وعناية كبيرة، فهو قد أمسك بالفعل بكُل تلابيب الصورة في كُل حالاتها التي يعرفها الإنسان، الكتاب يتنقل برشاقة بين كُل فنون الصورة فمن الفن التشكيلي بمدارسه وتطورها إلى الفوتوغرافيا ونشأتها و تطورها أيضًا إلى الصورة السينمائية وتاريخها وتنويعاتها، كما أنه- وهذا من أسرار جمال الكتاب الكُبرى- يرصُد ببراعة التأثير والتأثُر المُتبادل بين فنون الصورة ( التشكيلي والفوتوغرافي والسينمائي)، ولعل من أشد ما أعجبني في الكتاب خلوه من الانحياز الطبيعي والمُتوقع، والمُعتاد أيضًا، في مثل هذه الكتابات، فقد اعتدنا حين يتناول أحد المُتخصصين في فنٍ أو مجال ما فنون أُخرى إلى جانب تخصُصه؛ أن يقودنا في النهاية إلى أن الفن الذي ينتمي إليه هو الأشمل والأجمل والأعظم... إلخ، وهو انحياز- عادةً- مفهوم وغالبًا ما نلتمس العُذر لأصحابه، بل ونراه مؤشرًا على صدق حبهم وإخلاصهم، وبالتالي براعتهم، فيما تخصصوا فيه.
لكن الأُستاذ سعيد شيمي- وهو من هو في عالم التصوير السينمائي- يُفاجئنا في هذا الكتاب بتغريد خارج السرب، ويكشف لنا عن وعي تام ومُدهش بجماليات الفنون المُختلفة، بل وبأهميتها جميعًا وجدلية التأثير والتأثُر فيما بينها، وبالتالي ضرورة وجودها واستمرارها جميعًا جبنًا إلى جنب.
على مدار صفحات الكتاب نلتقي وجهًا لوجه، بل وجدانًا لوجدان مع الأُستاذ سعيد شيمي، ليس مُدير التصوير السينمائي الكبير والكبير بحق؛ وإنما المُتذوق الكبير وصاحب الثقافة البصرية الموسوعية.
في كُل "فصول الكتاب" يعرض ويشرح المؤلف جانبًا من تاريخ وتطور وجماليات الفنون البصرية، ويشرح بدقة وبساطة في آن معًا تقنيات وفنيات ما، ثُم يدعم فكرته بعدد من لوحات الفن التشكيلي والصور الفوتوغرافية واللقطات السينمائية، الكتاب زاخر بالمعلومات التي يُقدمها لنا في إطار سلس وضمن رحلة مُمتعة بين الكتابة والصور على أنواعها.
سمعتُ مرة الأستاذ سعيد شيمي يقول: أنه لا يُحب الكُتب التي لا تحتوي على "صور". أدهشتني المُلاحظة، وأعترف أنني لم أفهمها تمامًا، لكني الآن، وبعد أن فرغت من قراءة أولى لكتاب " تلابيب الصورة"، والذي أظُن أنني ولابُد عائدٌ إليه مرات ومرات، فهمتُ مقولة الأُستاذ سعيد شيمي، وتفهمتها تمامًا، إذ كيف يُمكن لمن يملك كُل هذه الثقافة البصرية، وكُل هذا الفهم والإحساس بالجمال المرئي في كُل تنويعاته، أن يستسيغ كتابًا بلا صور! بل أنني بعد رحلتي مع هذا الكتاب أكاد أعتنق ذات المذهب.
كتاب "تلابيب الصورة" يُجيب على الكثير من الأسئلة التي تشغل بال الكثيرين، سواء كانوا من القُراء العاديين من أمثالي، أو من المُتخصصين سواء في الفن التشكيلي أو التصوير الفوتوغرافي أو فن السينما.
هو كتاب- في أحد جوانبه- دليلٌ لا غنى عنه لكُل من يُريد الارتقاء بتذوقه الفني وإحساسه بجمال الفنون البصرية، بل وبنعمة البصر أيضًا.
أخيرًا، يطيبُ لي أن أختم بما بدأتُ به: الكتاب، قطعة من الجمال والمُتعة الخالصة؛ فضلًا عن الإضافة الثقافية والمعلوماتية الكبيرة التي يشعُر بها المرء بعد الانتهاء من قراءته.
طارق فهمي حسين
يونيو ٢٠٢٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق