عيد ميلاد أشرف المراغي وخطاب الزعيم
اليوم في ذكرى الزعيم تتداعى المعاني فأتذكر يومٌ آخر هو ٢٣ يوليو ( عيد الثورة ) و الذي يوافق أيضاً عيد ميلاد صديق طفولتي أشرف محمود المراغي ، و الذي كان والداي يحرصان طيلة سني طفولتي على أن أحضر تلك المُناسبة لما كان يربط أُسرتينا من صداقة عميقة الوشائج و أيضاً للصداقة التي كانت تجمع بين الطفلين أشرف و أنا ... كُنا نقطن - كما كُنا دائماً - في وسط البلد و كانت أُسرة المراغي ( حيثُ عيد الميلاد ) تسكُن في شارع قصر العيني على بُعد بضع دقائق لا أكثر بسيارة أبي ، خاصة في ذلك الزمن حين كانت الشوارع لا تعرف ما نُعاصره اليوم من إزدحام و إختناقات ، و رغم قصر المسافة و سُرعة الوصول إلا أنه كانت هُناك مُشكلة سنوية يُثيرها " ديكتاتور الأُسرة " الذي هو أنا في ذلك الوقت بصفتي الولد الوحيد المُدلل بين أبوين يمتلكان ثروة لا تنضب من الحُب و الحنان و إحترام إرادة طفل في طور التنشئة .
كانت المُشكلة السنوية تتمثل في أن اليوم هو عيد الثورة وبالتالي هُناك خطاب للريس عبد الناصر ستتم إذاعته تلفزيونياً، ومن واقع حرصي الشديد على مُتابعة الخطاب (وأنا دون العاشرة من العُمر) من أول " بسم الله الرحمن الرحيم ... أيُها الإخوة المواطنون .... و حتى : " و السلام عليكم و رحمة الله " و بالتالي فقد كنت أصدر " فرمان بأنه ليس أمام الأُسرة سوى أحد خيارين : أما النزول مُبكراً قبل الخطاب بوقت كاف لأتمكن من مُتابعته منذ البداية في بيت المراغي ، أو الإنتظار لما بعد إنتهاء الخطاب ثُم الذهاب لحفل عيد الميلاد بعد ذلك ، و كم حاول أبي إفهامي أنه أولاً أكثر حرصاً مني على سماع الخطاب و أن الخطاب سيتم إعادة بثه في نفس اليوم ليلاً و ربما في اليوم التالي أيضاً ، و ثانياً أن ذهابنا قبل الخطاب سيكون مُبكراً بأكثر مما يليق ، كما أن ذهاباً بعد إنتهاء الخطاب سيكون مُتأخراً بأكثر مما ينبغي ... و بعد جولة من المُفاوضات الفاشلة ، و مع بدء الشروع في الإجهاش بالبُكاء من جانبي يضطر أبي للإتصال تليفونياً بصديقه و رفيق دربه محمود المراغي ليشرح له الموقف " السياسي " المُتأزم في بيتنا ، و بالطبع - و بعد أن يتمالك المراغي نفسه من نوبة الضحك - يُقدم الحل البسيط في رأيه بأنه أهلاً بنا فوراً في بيتنا و " أهو إعتدال تساعد نجاح في المطبخ و نشرب لنا كوبايتين شاي على ما يبدأ الخطاب " ....
رحمك الله يا عبد الناصر يا من أنضجت وعينا قبل الآوان وغادرتنا لحكمة لا يعلمها إلا رب العالمين.
طارق فهمي حسين
28 سبتمبر 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق