الأحد، 19 نوفمبر 2017

عند صياح الديك .

عند صياح الديك !


قمت بإلتقاط هذه الصورة بالأمس أثناء جولة على الأقدام بشوارع وسط البلد – القاهرة بعد طول إنقطاع و جفاء فرضتهما متغيرات لا أجد في نفسي هوى للخوض فيها الآن ، خلال جولتي و تحديدا في شارع صبري أبو علم ،( و صاحب الإسم – بالمناسبة – واحد من ثوار سنة ١٩١٩) ، وقع بصري على هذا الجرافيتي الذي يزين السور الجانبي للكنيسة العريقة الموجودة بالشارع ، و هو يمثل صور بعض شهداء الشعب المصري قبل و أثناء ثورة ٢٥ يناير ، و بالطبع قصد من رسمه أن يكرم ذكرى هؤلاء النبلاء الذين بذلوا أرواحهم في جذوة الشباب في سبيل ما حلموا به من غد أفضل و أكثر كرامة لبلادهم فتلقوا – فضلاً عن فقدان الحياة – جزاء سنمار من تشويه و تلطيخ للسمعة و السيرة و إنكار تام من جانب من الذين بذلوا أرواحهم من أجلهم ، و يبدوا أن البعض لم يكتف بكل هذا فعمد على التلطيخ – بالمعنى الحرفي – لصورهم التي يمثلها هذا الجرافيتي إمعانا في التنكر لهم و لما ضحوا به ، و هو جد نفيس ، و للثورة ذاتها و التي كان هؤلاء الشباب بعض وقودها .
لو كان السور قد تم دهانه بالكامل لربما فهمنا أن ذلك قد يكون بمنطق إحترام جلال دار العبادة و أنه من غير اللائق الكتابة أو الرسم على سورها حتى و لو كان رسما لوجوه يليق أن يرتفع الدعاء لأرواح أصحابها داخل الكنيسة ذاتها – و كل دور العبادة و ليس فقط أن يتزين سورها الخارجي بوجوههم المضيئة ، لكن ليس هذا ما حدث ، أعني دهان السور و إزالة الجرافيتي كاملا ، و بالتأكيد لا أعني أن هذا ما أطالب به ، و إنما إكتفى أولئك “ البعض “ بإستخدام بوية سوداء – و منطقي أن تكون سوداء – لتلطيخ تلك الوجوه المضيئة .
و لا أدري تحديدا هل كان الغرض من تلك “ الفعلة” إخفاء وجوههم مثلا حتى لا يعرفهم أحد فتسقط أسمائهم و بالتالي ذكراهم و ذكرهم من تاريخ الوطن ؟ لو كان هذا هو الهدف فقد خاب إذ – للمفارقة – أرى أن هذه الفعلة قد زادت ملامحهم وضوحا و رسوخا في الوجدان ، ذلك أن المار بجوار السور يجد نفسه مضطرا لأن يستدعي ملامحهم من الذاكرة ، فيستدعي مع الملامح أحداث و أيام و معاناة ، ليدرك أن هذا هو مينا دانيال و ذاك هو خالد سعيد ( و آخرون على إمتداد السور لم تدركهم عدستي القاصرة) …إذن فقد خاب التدبير إن كان هو ذاك !
أم ربما لم يتحمل ذلك “ البعض “ النظر إلى تلك الوجوه المضيئة التي تشعره بالضآلة و الدنو ، أو ربما تصور أنهم ينظرون إليه و يرونه فيعتريه ذات الشعور بالضآلة و الدونية في مواجهة تلك العيون الغائبة الحاضرة ، و هذا إحتمال كبير إذ أن البعض حتى الآن لا يطيق نظرات أحمد حرارة الغائبة الحاضرة أيضا ، ربما ظن البعض أن عيون الشهداء المطلة من وراء الجرافيتي سوف تدركهم و تعرفهم و تشاهد ما فعلوا و يفعلون بجسد الوطن و بثورته و أحلامه فتصب عليهم لعنة ما أو تستجلب عليهم عقابا سماويا ما ، أليست دعوة المظلوم لا ترد ؟ فما بالنا بمن قتل مظلوما ؟!
على أية حال فإن هذه الفعلة الصبيانية لم تلطخ صور أولئك الشهداء الأخيار بقدر ما لطخت سمعة و كرامة وطن و شعب بذلوا أرواحهم في ريعان الشباب من أجل غد أفضل له ، فقام جانب من ذات الشعب بتشويههم و محاولة تلطيخهم … و إنكارهم عند أول صياح للديك !
                                                                                  طارق فهمي حسين

                                                                                   نوفمبر 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق