7- فرقة ستوديو 2000 ( محمد صُبحي و لينين الرملي )
شددتُ الرحال إلى فرقة ستوديو ٢٠٠٠ مع الثُنائي الشهير محمد صُبحي و لينين الرملي حيثُ إجتزت إختبار الإنضمام بذات المشهد المُفضل لدي و هو مونولوج : " الكلمة " من مسرحية الحُسين شهيداً لعبد الرحمن الشرقاوي ، و هو المشهد الذي كُنت قد إجتزت به فيما سبق إختبار القبول بالدراسات الحُرة بالمعهد العالي للفنون المسرحية كما أسلفت في حلقة سابقة .
شاركت لأكثر من موسم في تدريبات إعداد المُمثل الصارمة للمُخرج محمد صُبحي و مُساعدته و زوجته الراحلة الفاضلة الفنانة نيفين رامز ، و كذا تدريبات الرقص الشعبي و الدبكة على يد نجم آخر من نجوم فرقة رضا في عصرها الذهبي الفنان القدير حسن عفيفي ، فكُنت ضمن الكاست البديل للعرض المسرحي الرائع " بالعربي الفصيح " حيثُ تنقلت في البروفات بين ثلاث أدوار رئيسية مُختلفة ( كانت كُل شخصيات العرض رئيسية بالمُناسبة )، ثُم حين تم تصفية فريق الشباب البديل إبان إنفصال الثُنائي لينين و صُبحي بقيت ضمن ستة شباب فقط مع الفرقة من أصل حوالي أربعين ، حيثُ شاركنا بإستعراض تعبيري بسيط في المشهد الإفتتاحي لمسرحية " وجهة نظر " على مسرح الفردوس و كان ضمن زُملائي في هذا المشهد النجم فيما بعد : مُصطفى شعبان و الفنان جمال يوسف و الفنانة مُنى حسين و الزميلتان منال و شيرين اللتان إبعدتهما دوامة الحياة مثلي عن مشوار التمثيل ، و كان المشهد عبارة عن رقصة تعبيرية نؤديها نحن الستة على أنغام المُلحن عبد العظيم عويضة و صوت المُطربة أنغام في أُغنية يقول مطلعها " لابد من آخر ياليل و نهزم الضلمة " و تمضي الكلمات مُعبرة عن مضمون المسرحية ، و ينضم إلينا في نهاية الرقصة نجوم العرض تباعاً ، و كانت هُناك مُشكلة يومية تعوق حرص الفنان محمد صُبحي على أن يستمع الجمهور لكلمات الأغنية حتى النهاية لأهميتها الدرامية ، و هي أنه بمُجرد دخول النجوم ، و بالأخص الفنانة عبلة كامل ، إلى خشبة المسرح كانت الصالة تضج بالتصفيق فتغرق الأغنية في بحر التصفيق الهادر، لذا ففي يوم التصوير التلفزيوني لجأ محمد صُبحي إلى حيلة حتى يؤجل تصفيق الجمهور إلى نهاية الأُغنية ، و ذلك بأن خفض الإضاءة على خشبة المسرح إلى أدنى حد مُمكن و كذا أطلق كمية أكبر من الدُخان طيلة فترة الأُغنية ، مما حال دون تعرف الجمهور على وجوه النجوم لحظة دخولهم إلى المسرح و جعل مُفتاح عودة كامل الإضاءة هو ختام الأُغنية حينها يبدأ التصفيق ، و بالفعل أفلحت الحيلة لكنها أسفرت عن طمس صورتنا و ضياع التسجيل التاريخي لمُشاركتنا المُتواضعة في هذا العرض المسرحي الرائع و كأننا كُنا نُمثل " من ورا أهلنا " على حد التعبير الساخر لأبي رحمه الله .....
و من طرائف ذلك المشهد الذي كان ينتهي كما ذكرت بدخول نجوم العرض و الإنضمام إلينا على المسرح حيثُ نقف جميعاً في تشكيل مواجه للجمهور ، و كان النجوم يدخلون حاملين شموعاً مُضيئة و مع آخر عبارة في الأُغنية و عند كلمة مُحددة ينفخون في الشموع معاً لإطفائها مع عودة الإضاءة كما ذكرت ، تحديداً كانت آخر عبارة في الغنوة كبدايتها : “ لابُد من آخر ( نفخة لإطفاء الشموع ) ياليل ، و لما كان التشكيل الذي ذكرته يقتضي وقوف الفنان عبد الله مشرف خلف كتفي الأيمن ( و كُنا نرتدي قمصاناً سوداء ) فكان في كُل ليلة و مع إطفاءه لشمعته ، يسيل الشمع السائل على كتفي فأشعر بحرارته فضلاً عن تجمده فوق قماش القميص ، و كُنت كُل ليلة في الكواليس أُناشده : “ يا أُستاذ عبد الله ممكن تبقى ترجع لورا شوية علشان الشمع بينزل على كتفي” فيعتذر بشدة و يؤكد أن الأمر لن يتكرر ، لكن الواقع أن الأمر تكرر بعدد ليالي العرض ، فكان الأُستاذ محمد صُبحي يصرخ فيه ضاحكاً : “ يا عبد الله هتولع لي في المُمثلين “ ، و كانت زوجتي تنزعج بشدة حين أعود لها كُل ليلة بالقميص لتغسله فترى الشمع فتقول لي :
- ما تقول له يا طارق و تلفت نظره بدل ما النار في مرة تمسك فيك ، هافرح أنا بقى بالمسرح و لا بعبد الله مشرف ؟ “
و الله كُل يوم با قول له !
و المُضحك أن الأُستاذ عبد الله كان كُل ليلة في الكواليس بعد المشهد يأتيني مُبتسماً :
ها ؟ أظن تمام كده الليلة دي. فأُريه آثار الشمع فيصمُت خجلاً ، و لا أُخفيكم سراً أنني كُنت أسعد بهذا الموقف الطريف و لرُبما كُنت سأفتقد شيئاً ما لو أن الفنان عبد الله مشرف قد نجح في تجنُب إسالة الشمع الساخن على كتفي ، إذ لهذه الدرجة أحببتُ هذا الإنسان الطيب الصافي الموهوب .
ثُم تم إختياري للإنضمام إلى الكاست الأساسي لعرض " بالعربي الفصيح " و إستلزم الأمر إلى جانب خوض البروفات مع الكاست الأساسي أن أُنهي يومياً مشهد الإفتتاح في " وجهة نظر " في مسرح الفردوس ثُم " أطير" بالسيارة إلى مسرح نيو أوبرا لألحق ببداية العرض و أجلس وحدي في بنوار خاص لأُشاهد العرض كاملاً كُل ليلة مُراقباً الشخصية التي سوف أحل محل المُمثل الذي يؤديها ، و أعود في آخر الليل إلى البيت لأستيقظ في الصباح الباكر بحيثُ أكون جالساً في تمام الساعة الثامنة على مكتبي أؤدي عملي بالبنك ، و في هذه الفترة تزاملت في بروفات الكاست الأساسي لعرض " بالعربي الفصيح" مع عدد كبير من المواهب الشابة الذين توقعت لبعضهم نجومية أكيدة فيما بعد و هذا ما حدث بالفعل فكان منهم مُنى زكي ( كانت بعد طالبة في بدايات التعليم الثانوي ) و داليا إبراهيم ( كانت بالإعدادي ) و فتحي عبد الوهاب و هاني كمال و حمدي الرملي ( زميلي أيضاً في الدراسات الحُرة ) و سيد الكومي و حسن عبد الفتاح ( الكوميديان ذو الصوت الغنائي الجميل ) و إيهاب صُبحي و حُسام فياض و آخرين صاروا نجوماً بدرجات متفاوتة ، أما في كواليس عرض " وجهة نظر " حيثُ كُنا نحضر قبل العرض بساعات كما هي قواعد مسرح محمد صُبحي ( الذي كان يتواجد بغُرفته بالمسرح في السابعة في حين يُرفع الستار في العاشرة ) فكان هُناك وقت كاف يومياً لتتشكل حلقة صداقة من أروع ما مررت به في حياتي ضمتني و الفنانين شعبان حسين و عبلة كامل و رياض الخولي حيثُ كانت تدور بيننا أحاديث السياسة و الثقافة و يتخللها يومياً غناء جماعي أو تحديداً " رُباعي " مُنخفض الصوت ، بل شديد الإنخفاض ما بين أغاني الشيخ إمام تارة و أغاني أُم كلثوم تارة ، كثيراً ما كُنت أفاجئهم بما أحفظ من أغاني لم تكُن وقتها شائعة الإنتشار من تلحين الشيخ سيد مكاوي إذ كُنت أحفظها من سهراتنا العائلية معه و تسجيلات أبي الخاصة لتلك السهرات من ذلك أغنيات مثل : فرقة عزت الألاتاوي " و البيانولا / و إلحق خد تذكرة يا ناوي عالسفر هانقوم م القاهرة دوغري عالقمر / و أغاني مسرحية الإنسان الطيب / و طبعا الليلة الكبيرة و غيرها ... كان صالوناً ثقافياً ينعقد كُل ليلة في تلك الكواليس الصارمة لمسرح محمد صُبحي و كانت تتخلله طرائف الفنان العبقري المُستترعبد الله مشرف الذي كان يُقدم لنا يومياً فقرة من التقليد البارع لمُختلف الفنانين حتى أنه كان يؤدي حواراً شهيراً من فيلم شباب إمرأة كان بين شُكري سرحان و عبد الوارث عسر فكأنك ترى كلا الفنانين أمامك ينبضان بالحياة ، و في أحيان أُخرى كان يؤدي الديالوج الإفتتاحي للعرض الذي كُنا في كواليسه ( وجهة نظر ) و الذي كان يدور بين رياض الخولي و هاني رمزي ، فلم يكُن يكتفي بتقليدهما و إنما كان يؤدي المشهد بشخصيات نجوم آخرين ، فمرة بين محمود المليجي و توفيق الدقن ، و مرة بين إسماعيل يس و إستيفان روستي ، و هكذا و في إحدى المرات كان يُقلد لنا نجم العرض و مُخرجه الفنان محمد صُبحي ، و الذي دخل فجأة أثناء تقليده و طلب من عبد الله مشرف الإستمرار و تابعه و هو غارق في الضحك ... و كان معنا أيضاً الفنان هاني رمزي ، و الأُستاذ الكبير الفاضل محمود أبو زيد الذي كان يتمتع بحُب و تقدير الجميع ، و الذي كان يحكي لنا ذكرياته الجميلة الشيقة مع نجوم زمن عاصره دوننا و منهم نجوم فرقة الريحاني الذين كانوا يتحدثون عن أنفسهم بصيغة : إحنا الريحانية ... و الذين كانوا يتميزون جميعاً – كما حكى لنا – بالدخول إلى المسرح من الكواليس " مهرولين " ! و الفنانة الجميلة عزة لبيب و التي كانت تجمعني بشقيقيها صداقة مُنذ مطلع الصبا بنادي القاهرة الرياضي أيضاً ، و الفنانة زينب وهبي ، ثُم كانت تُشرق علينا في نهايات فترة الإنتظار الفنانة الرقيقة هناء الشوربجي بإبتسامتها البديعة و أدبها الجم ، و في إحدى المرات فوجئنا جميعاً بشاب " حليوة " يزور هناء الشوربجي في الكواليس ( و هو أمر كان من المُحرمات في هذا المسرح ) و تُقابله بالأحضان و القُبلات فبُهتنا جميعاً و كُلنا يعرف أنها زوجة الفنان حسن عفيفي و ساد صمتٌ متوتر فإنتبهت هي للأمر و إستدارت لنا : أخويا ياجماعة و الله ، فضج المكان بالضحك ... من طرائف تلك الفترة أيضاً أنه – كما في كُل المسارح – كان هُناك غالباً يوم في وسط الإسبوع يقل فيه عدد الحضور بشكل ملحوظ ، فكان محمد صُبحي يختلس النظر للصالة من بين شقي الستارة و يستدير إلينا قائلاً : " ما تخافوش يا ولاد ، إحنا أكتر منهُم ! "
كان الفنان محمد صُبحي في صرامته كمُخرج و صاحب فرقة – و التي كانت تُعجبني تماماً - يميل أحياناً إلى المُبالغة بعض الشيء ، من ذلك مثلاً واقعة أن صحفياً بإحدى المجلات الفنية الشهيرة كان قد أخذ موعداً من الفنانة عبلة كامل لإجراء حواراً فنياً معها في كواليس المسرح قبل العرض بوقت كاف ، و حصلت على موافقة مُسبقة من محمد صُبحي بذلك ، و في الموعد المُحدد حضر الصحفي بالفعل لإجراء الحوار ففوجئت عبلة كامل بأحد المُساعدين ييمنع الصحفي من الصعود معها إلى غرفتها لإجراء الحوار و أنه عليه أن يُجري معها الحوار في الكواليس ( الضيقة ) للمسرح حيثُ نجلس جميعاً و أن هذه هي تعليمات "الأُستاذ " ، أُسقط في يد عبلة كامل ، تلك الفنانة شديدة الإحترام و التهذيب ، فما كان منها إلا أن إعتذرت للصحفي و صرفته دون إجراء الحوار !
شاركت لأكثر من موسم في تدريبات إعداد المُمثل الصارمة للمُخرج محمد صُبحي و مُساعدته و زوجته الراحلة الفاضلة الفنانة نيفين رامز ، و كذا تدريبات الرقص الشعبي و الدبكة على يد نجم آخر من نجوم فرقة رضا في عصرها الذهبي الفنان القدير حسن عفيفي ، فكُنت ضمن الكاست البديل للعرض المسرحي الرائع " بالعربي الفصيح " حيثُ تنقلت في البروفات بين ثلاث أدوار رئيسية مُختلفة ( كانت كُل شخصيات العرض رئيسية بالمُناسبة )، ثُم حين تم تصفية فريق الشباب البديل إبان إنفصال الثُنائي لينين و صُبحي بقيت ضمن ستة شباب فقط مع الفرقة من أصل حوالي أربعين ، حيثُ شاركنا بإستعراض تعبيري بسيط في المشهد الإفتتاحي لمسرحية " وجهة نظر " على مسرح الفردوس و كان ضمن زُملائي في هذا المشهد النجم فيما بعد : مُصطفى شعبان و الفنان جمال يوسف و الفنانة مُنى حسين و الزميلتان منال و شيرين اللتان إبعدتهما دوامة الحياة مثلي عن مشوار التمثيل ، و كان المشهد عبارة عن رقصة تعبيرية نؤديها نحن الستة على أنغام المُلحن عبد العظيم عويضة و صوت المُطربة أنغام في أُغنية يقول مطلعها " لابد من آخر ياليل و نهزم الضلمة " و تمضي الكلمات مُعبرة عن مضمون المسرحية ، و ينضم إلينا في نهاية الرقصة نجوم العرض تباعاً ، و كانت هُناك مُشكلة يومية تعوق حرص الفنان محمد صُبحي على أن يستمع الجمهور لكلمات الأغنية حتى النهاية لأهميتها الدرامية ، و هي أنه بمُجرد دخول النجوم ، و بالأخص الفنانة عبلة كامل ، إلى خشبة المسرح كانت الصالة تضج بالتصفيق فتغرق الأغنية في بحر التصفيق الهادر، لذا ففي يوم التصوير التلفزيوني لجأ محمد صُبحي إلى حيلة حتى يؤجل تصفيق الجمهور إلى نهاية الأُغنية ، و ذلك بأن خفض الإضاءة على خشبة المسرح إلى أدنى حد مُمكن و كذا أطلق كمية أكبر من الدُخان طيلة فترة الأُغنية ، مما حال دون تعرف الجمهور على وجوه النجوم لحظة دخولهم إلى المسرح و جعل مُفتاح عودة كامل الإضاءة هو ختام الأُغنية حينها يبدأ التصفيق ، و بالفعل أفلحت الحيلة لكنها أسفرت عن طمس صورتنا و ضياع التسجيل التاريخي لمُشاركتنا المُتواضعة في هذا العرض المسرحي الرائع و كأننا كُنا نُمثل " من ورا أهلنا " على حد التعبير الساخر لأبي رحمه الله .....
و من طرائف ذلك المشهد الذي كان ينتهي كما ذكرت بدخول نجوم العرض و الإنضمام إلينا على المسرح حيثُ نقف جميعاً في تشكيل مواجه للجمهور ، و كان النجوم يدخلون حاملين شموعاً مُضيئة و مع آخر عبارة في الأُغنية و عند كلمة مُحددة ينفخون في الشموع معاً لإطفائها مع عودة الإضاءة كما ذكرت ، تحديداً كانت آخر عبارة في الغنوة كبدايتها : “ لابُد من آخر ( نفخة لإطفاء الشموع ) ياليل ، و لما كان التشكيل الذي ذكرته يقتضي وقوف الفنان عبد الله مشرف خلف كتفي الأيمن ( و كُنا نرتدي قمصاناً سوداء ) فكان في كُل ليلة و مع إطفاءه لشمعته ، يسيل الشمع السائل على كتفي فأشعر بحرارته فضلاً عن تجمده فوق قماش القميص ، و كُنت كُل ليلة في الكواليس أُناشده : “ يا أُستاذ عبد الله ممكن تبقى ترجع لورا شوية علشان الشمع بينزل على كتفي” فيعتذر بشدة و يؤكد أن الأمر لن يتكرر ، لكن الواقع أن الأمر تكرر بعدد ليالي العرض ، فكان الأُستاذ محمد صُبحي يصرخ فيه ضاحكاً : “ يا عبد الله هتولع لي في المُمثلين “ ، و كانت زوجتي تنزعج بشدة حين أعود لها كُل ليلة بالقميص لتغسله فترى الشمع فتقول لي :
- ما تقول له يا طارق و تلفت نظره بدل ما النار في مرة تمسك فيك ، هافرح أنا بقى بالمسرح و لا بعبد الله مشرف ؟ “
و الله كُل يوم با قول له !
و المُضحك أن الأُستاذ عبد الله كان كُل ليلة في الكواليس بعد المشهد يأتيني مُبتسماً :
ها ؟ أظن تمام كده الليلة دي. فأُريه آثار الشمع فيصمُت خجلاً ، و لا أُخفيكم سراً أنني كُنت أسعد بهذا الموقف الطريف و لرُبما كُنت سأفتقد شيئاً ما لو أن الفنان عبد الله مشرف قد نجح في تجنُب إسالة الشمع الساخن على كتفي ، إذ لهذه الدرجة أحببتُ هذا الإنسان الطيب الصافي الموهوب .
ثُم تم إختياري للإنضمام إلى الكاست الأساسي لعرض " بالعربي الفصيح " و إستلزم الأمر إلى جانب خوض البروفات مع الكاست الأساسي أن أُنهي يومياً مشهد الإفتتاح في " وجهة نظر " في مسرح الفردوس ثُم " أطير" بالسيارة إلى مسرح نيو أوبرا لألحق ببداية العرض و أجلس وحدي في بنوار خاص لأُشاهد العرض كاملاً كُل ليلة مُراقباً الشخصية التي سوف أحل محل المُمثل الذي يؤديها ، و أعود في آخر الليل إلى البيت لأستيقظ في الصباح الباكر بحيثُ أكون جالساً في تمام الساعة الثامنة على مكتبي أؤدي عملي بالبنك ، و في هذه الفترة تزاملت في بروفات الكاست الأساسي لعرض " بالعربي الفصيح" مع عدد كبير من المواهب الشابة الذين توقعت لبعضهم نجومية أكيدة فيما بعد و هذا ما حدث بالفعل فكان منهم مُنى زكي ( كانت بعد طالبة في بدايات التعليم الثانوي ) و داليا إبراهيم ( كانت بالإعدادي ) و فتحي عبد الوهاب و هاني كمال و حمدي الرملي ( زميلي أيضاً في الدراسات الحُرة ) و سيد الكومي و حسن عبد الفتاح ( الكوميديان ذو الصوت الغنائي الجميل ) و إيهاب صُبحي و حُسام فياض و آخرين صاروا نجوماً بدرجات متفاوتة ، أما في كواليس عرض " وجهة نظر " حيثُ كُنا نحضر قبل العرض بساعات كما هي قواعد مسرح محمد صُبحي ( الذي كان يتواجد بغُرفته بالمسرح في السابعة في حين يُرفع الستار في العاشرة ) فكان هُناك وقت كاف يومياً لتتشكل حلقة صداقة من أروع ما مررت به في حياتي ضمتني و الفنانين شعبان حسين و عبلة كامل و رياض الخولي حيثُ كانت تدور بيننا أحاديث السياسة و الثقافة و يتخللها يومياً غناء جماعي أو تحديداً " رُباعي " مُنخفض الصوت ، بل شديد الإنخفاض ما بين أغاني الشيخ إمام تارة و أغاني أُم كلثوم تارة ، كثيراً ما كُنت أفاجئهم بما أحفظ من أغاني لم تكُن وقتها شائعة الإنتشار من تلحين الشيخ سيد مكاوي إذ كُنت أحفظها من سهراتنا العائلية معه و تسجيلات أبي الخاصة لتلك السهرات من ذلك أغنيات مثل : فرقة عزت الألاتاوي " و البيانولا / و إلحق خد تذكرة يا ناوي عالسفر هانقوم م القاهرة دوغري عالقمر / و أغاني مسرحية الإنسان الطيب / و طبعا الليلة الكبيرة و غيرها ... كان صالوناً ثقافياً ينعقد كُل ليلة في تلك الكواليس الصارمة لمسرح محمد صُبحي و كانت تتخلله طرائف الفنان العبقري المُستترعبد الله مشرف الذي كان يُقدم لنا يومياً فقرة من التقليد البارع لمُختلف الفنانين حتى أنه كان يؤدي حواراً شهيراً من فيلم شباب إمرأة كان بين شُكري سرحان و عبد الوارث عسر فكأنك ترى كلا الفنانين أمامك ينبضان بالحياة ، و في أحيان أُخرى كان يؤدي الديالوج الإفتتاحي للعرض الذي كُنا في كواليسه ( وجهة نظر ) و الذي كان يدور بين رياض الخولي و هاني رمزي ، فلم يكُن يكتفي بتقليدهما و إنما كان يؤدي المشهد بشخصيات نجوم آخرين ، فمرة بين محمود المليجي و توفيق الدقن ، و مرة بين إسماعيل يس و إستيفان روستي ، و هكذا و في إحدى المرات كان يُقلد لنا نجم العرض و مُخرجه الفنان محمد صُبحي ، و الذي دخل فجأة أثناء تقليده و طلب من عبد الله مشرف الإستمرار و تابعه و هو غارق في الضحك ... و كان معنا أيضاً الفنان هاني رمزي ، و الأُستاذ الكبير الفاضل محمود أبو زيد الذي كان يتمتع بحُب و تقدير الجميع ، و الذي كان يحكي لنا ذكرياته الجميلة الشيقة مع نجوم زمن عاصره دوننا و منهم نجوم فرقة الريحاني الذين كانوا يتحدثون عن أنفسهم بصيغة : إحنا الريحانية ... و الذين كانوا يتميزون جميعاً – كما حكى لنا – بالدخول إلى المسرح من الكواليس " مهرولين " ! و الفنانة الجميلة عزة لبيب و التي كانت تجمعني بشقيقيها صداقة مُنذ مطلع الصبا بنادي القاهرة الرياضي أيضاً ، و الفنانة زينب وهبي ، ثُم كانت تُشرق علينا في نهايات فترة الإنتظار الفنانة الرقيقة هناء الشوربجي بإبتسامتها البديعة و أدبها الجم ، و في إحدى المرات فوجئنا جميعاً بشاب " حليوة " يزور هناء الشوربجي في الكواليس ( و هو أمر كان من المُحرمات في هذا المسرح ) و تُقابله بالأحضان و القُبلات فبُهتنا جميعاً و كُلنا يعرف أنها زوجة الفنان حسن عفيفي و ساد صمتٌ متوتر فإنتبهت هي للأمر و إستدارت لنا : أخويا ياجماعة و الله ، فضج المكان بالضحك ... من طرائف تلك الفترة أيضاً أنه – كما في كُل المسارح – كان هُناك غالباً يوم في وسط الإسبوع يقل فيه عدد الحضور بشكل ملحوظ ، فكان محمد صُبحي يختلس النظر للصالة من بين شقي الستارة و يستدير إلينا قائلاً : " ما تخافوش يا ولاد ، إحنا أكتر منهُم ! "
كان الفنان محمد صُبحي في صرامته كمُخرج و صاحب فرقة – و التي كانت تُعجبني تماماً - يميل أحياناً إلى المُبالغة بعض الشيء ، من ذلك مثلاً واقعة أن صحفياً بإحدى المجلات الفنية الشهيرة كان قد أخذ موعداً من الفنانة عبلة كامل لإجراء حواراً فنياً معها في كواليس المسرح قبل العرض بوقت كاف ، و حصلت على موافقة مُسبقة من محمد صُبحي بذلك ، و في الموعد المُحدد حضر الصحفي بالفعل لإجراء الحوار ففوجئت عبلة كامل بأحد المُساعدين ييمنع الصحفي من الصعود معها إلى غرفتها لإجراء الحوار و أنه عليه أن يُجري معها الحوار في الكواليس ( الضيقة ) للمسرح حيثُ نجلس جميعاً و أن هذه هي تعليمات "الأُستاذ " ، أُسقط في يد عبلة كامل ، تلك الفنانة شديدة الإحترام و التهذيب ، فما كان منها إلا أن إعتذرت للصحفي و صرفته دون إجراء الحوار !
***
و للحديث بقية ...
طارق فهمي حسين
٢٥ أكتوبر ٢٠١٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق