السبت، 30 ديسمبر 2017

عندما انتحل سيد مكاوي شخصية " خالي ".

عندما إنتحل سيد مكاوي شخصية " خالي "!


كان الشيخ سيد مكاوي من أصدقاء طفولتي ، نعم فقد كان "عمو سيد" .
و كانت تجمعني به سهرات عائلية طويلة  ضمن كوكبة بديعة من فناني و مثقفي مصر من صحبة أبي و رفاقه ، تلك السهرات التي كان زهرتها و محورها الشيخ سيد مكاوي و صوته العذب و عوده الساحر و موسيقاه الأصيلة الثمينة ، فضلا عن روحه المرحة و حديثه الجذاب و أخلاقه الملائكية ، و في البدايات و لحداثة سني و سذاجته كنت أتصور أن " عمو سيد " مجرد هاو عظيم الموهبة ! و كنت أسائل نفسي مندهشا : هو ليه مش بيغني و يشتهر مع إنه " كويس أوي " !! و يوم أشركت أبي في تساؤلاتي إنفجر ضاحكا حتى دمعت عيناه و أجابني بأن الشيخ سيد هو من كبار الملحنين في مصر و العالم العربي بالفعل ، و لأني ولدت مبالغا في الإستقلالية و كذا رباني أبي فقد تلقيت المعلومة بتحفظ و صرت أتابع الإذاعة و التلفزيون بشكل مكثف مقتفيا إسم "عمو سيد" في كل ما يذاع من أغاني  فيتضح لي يوما بعد يوم حقيقة مكانته التي حاول أبي أن يوضحها لي حين سألته ، و الحقيقة أن ما إتضح لي هو حجم شهرته الواسعة المستحقة ، إذ أن مكانته كانت محفورة في وجداني دون حاجة لتقصي أو تتبع ، مكانته كعملاق من عمالقة فن الموسيقى و التلحين ، و مكانته كإنسان شديد العذوبة و النقاء ، و هي المكانة التي كبرت يوما بعد يوم منذ كنت طفلا أسعدته الظروف بصحبة الشيخ سيد مئات المرات في سهرات عائلية و ثقافية فنية و في المصيف و المناسبات الخاصة فتقاسمت معه و مع أسرته الجميلة الخبز و الملح ، زوجته الفاضلة الفنانة التشكيلية و الأستاذة الجامعية " طنط زينات " التي مازالت إحدى لوحاتها المحفورة على الخشب لبائع العرقسوس تزين جدارا في بيتي ، و كريمتيه إيناس دائمة الإبتسام و أميرة الصغيرة الوديعة ... و سبحت معه في بحر أبي قير و وصفت له - بطلب منه -  كل تفاصيل ما أراه على الشاطيء  ، و ضحكت طويلا على نكاته و قفشاته شديدة الذكاء سريعة البديهة ، حضرت في شقته في المصيف في المندرة المُتاخمة للعصافرة  ( كانت له مقولة : إحنا بتوع العصافرة بنخضر كل صفرا ) عيد ميلاد إبنته الصغرى أميرة و غنينا معه : " أميرة لكن أمورة ..." و حضر في قريتنا - إكراما لخاطر أبي - زفاف إبنة عم لي بل و شدا يومها بأغنية يا مسهرني  (في حياة أم كلثوم ) ، و بعد ذلك بسنوات حضر خطبة شقيقتي الصغيرة  "أمل" و غنى مرتجلا " ياصلاة الزين على فهمي حسين " ... و " الغالي علينا غالي و أمل كويسة " ، و هي تسجيلات مازلتُ أحتفظ بها حتي اليوم ، و أسمعها كُل حين مُستعيداً بعضاً من زمن كان جميلاً بل في غاية الجمال . 
و في بدايات حياتي العملية  تعرضت لمشكلة جسيمة في شركة كنت أعمل بها ، و كان أبي خارج البلاد ، فاتصلت أمي بالشيخ سيد مكاوي و روت له المشكلة ،فطلب التحدث إلي و سألني عن إسم المسئول الذي بيده الحل فأخبرته ، فإتصل به - دون معرفة شخصية - " أنا سيد مكاوي و إبن أختي عندكم و له مشكلة كذا كذا ....
في صباح اليوم التالي كانت المشكلة قد تم حلها على أفضل ما يكون و ظل ذلك المسئول بالشركة بعدها و طوال سنوات عملي بالشركة يتودد إلي و يحملني السلام " لخالي " ... لم يكن الشيخ سيد في هذا الموقف يستغل نفوذا  أو جاه أو منصب  ما و إنما كان رصيده  الذي لا ينضب موهبته و موسيقاه و حب الناس من المحيط إلى الخليج ....
و الحقيقة أن هذا التداعي لتلك الذكريات العزيزة تأتى من خلال كلمات تلك الأغنية الجميلة التي وضعها الصديق الأستاذ أسامة الرحيمي على صفحته على فيسبوك  فأثارت في النفس شجون و ذكريات غالية لا تعوض ...
رحم الله أبي الذي كان نافذتي على ذلك العالم السحري النبيل ... و رحم  الشيخ سيد مكاوي ... عمو سيد ، أو " خالي المُنتحل "...و رحم زمنهم الجميل ...
                

                                                         طارق فهمي حسين
                                                            يونيو ٢٠١٧

هناك 3 تعليقات:

  1. يا سلام يا طارق اسلوبك فى السرد خلانى عايش فى الحكايات كأنى شايفها بعيناى.. اللى دمعت فى لحظة من كتر ما انا اندمجت في الحدوتة..

    ردحذف
  2. كان فنان لا يعوضالله يرحمه كفايه عليه الليله الكبيرة التي لا تنسي

    ردحذف
    الردود
    1. معاك حق ، أنت متذوق كبير يامحمد وفنان رفيع المستوى.

      حذف