٨- مسرح الأوبرا الكبير.
======
في ذكرى الكاتب المسرحي الشهير فريدريش دورينمات قامت السفارة السويسرية بالقاهرة بتكليف الفنان محمد صُبحي بإخراج عرض مسرحية " زيارة السيدة العجوز " لدورينمات و قام بإعداد النص الأُستاذ شوقي خميس تحت عنوان : " الزيارة " و تقرر عرض العمل لمُدة ثلاثة أيام على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية ( نعم وقفت على خشبة المسرح الكبير لدار الأوبرا المصرية ) فكان لابُد من أن يكون العمل ضخماً و الكاست على أعلى مُستوى و قد كان بالفعل على النحو التالي : سناء جميل ( بعد غياب سنوات طويلة عن خشبة المسرح ) و جميل راتب و محمود أبو زيد و شعبان حسين و رياض الخولي و يوسف داوود و عزة لبيب و زينب وهبي و مجدي عبد الحليم و هاني رمزي ... ثُم كُنت و زُملائي الشباب بمثابة ملح الأرض في ذلك العرض الرائع ، لكن أيضاً في إفتتاح العرض كان هُناك مشهد تقديمي شاركت فيه بشكل أساسي و معي نجم المُستقبل فيما بعد : ماجد الكدواني الذي كان شاباً شديد الهدوء و الدماثة و لا يُفصح ظاهره عن حجم ما يختزن من موهبة عظيمة الشأن كما رأينا و نري جميعاً و معنا الزميلات رباب و جيهان و أمل اللائي– فيما يبدو – تقفين خُطاي نحو مقاعد المُتفرجين فيما بعد ...
و مما أتذكر من مواقف خلال تلك الفترة أن بروفات " الزيارة " كانت تتم في الفترة الأولى على خشبة مسرح الفردوس الذي يُقدم عليه عرض " وجهة نظر " و كانت تضم كافة النجوم الذين ذكرتهم و معهم مجموعة الشباب محدودة العدد الذين كُنت بينهم ، حتى كان أحد الأيام حين وصلت للمسرح فوجدت الجو العام يشوبه التوتر و الإحباط يكسو وجوه زُملائي من الشباب ، و ما أن رفعت بصري إلى خشبة المسرح حتى تبين لي السبب إذ كانت هناك بروفة تجري على قدم و ساق ( قبل الموعد المُحدد لبروفاتنا ) و يشارك فيها عدد من الوجوه التي لم نرها من قبل و كان من الواضح أنهم من الراقصين المُحترفين و ليسو مُمثلين ( و كان العرض يشتمل على حركة مجاميع و بعض الإستعراضات الراقصة ) و كانوا يقومون بنفس ما تدربنا عليه و نؤديه بكفاءة لذا لم نجد تفسيراً لوجودهم المُفاجيء سوى أنه إحلال لنا مما إعتبرناه طعناً في قُدراتنا !
وقفنا خارج قاعة المسرح نتشاور و نضرب أخماساً في أسداس ، و فجأة وجدتني و قد " سخنت " كعادتي ، خاصة في سني الشباب ، و توجهت إلى الأُستاذ شوقي طنطاوي ( المُساعد العتيد للمُخرج محمد صُبحي ) مُبلغاً إياه إعتذاري عن الإستمرار مع الفرقة و محاولاً تسليمه ما سبق لي إستلامه من " أجر البروفات " ، فأُسقط في يد شوقي و أوضح لي أنه لا يملك صلاحية البت في مثل هذا الأمر و أن الكلمة الأخيرة بالطبع " للأُستاذ " ثُم تركني و توجه إلى حيث يجلس الفنان محمد صُبحي أثناء إدارته للبروفة و مال عليه هامساً في أُذنه ، فما كان من " صُبحي إلا أن مال بجذعه حتى يظهر لي وجهه من خلف جسد شوقي مُنادياً إياي فتوجهت إليه فباغتني بالسؤال : معاك فلوس سلف ؟ فوجدتني تلقائياً أُحكم قبضة يدي على النقود و أُخفي ذراعي كُله خلف ظهري خجلاً ، فتبسم صُبحي قائلاً : " ده أنا بقول عليك أنضج واحد فيهُم ، إمبارح أنا رُحت الأوبرا و تنبهت إلى أن مساحة خشبة المسرح الكبير تبلغ عدداً من أضعاف مساحة خشبة المسرح هنا ، فكان لابد من زيادة العدد و إلا المسرح هايبلعكم ، و المجموعة الجديدة دي من الراقصين فلن يُخل ذلك بدور أي منكُم ، فياريت تفهم زمايلك الكلام ده و إستعدوا لبدء البروفة .
في اليوم التالي و فور وصولي للمسرح في موعدي توجهت مُباشرة للأُستاذ صُبحي قائلاً له : أنا باعتذر إمبارح كان فيه ظروف و ما قدرتش آجي البروفة ، فتهللت أساريره و هب واقفاً و إحتضنني قائلاً : " الله ... ده أحلى إعتذار سمعته في حياتي " ، من الطريف أن أحداً من الموجودين لم يسمع الحوار لكن الجميع فوجيء بمحمد صُبحي و هو يحتضنني و بالسعادة البادية على وجهه فأقبلت بعض الزميلات و شكلن طابوراً خلفي و كأنما ينتظرن دورهن في تلقي " حضن " من النجم الكبير فضحك الجميع و صاح صُبحي ضاحكاً : إمشي إنتي و هي ده مش أوكازيون "
و ظل بعض الزملاء بقية اليوم يحاولون سؤالي عن ما قلته له حتى يقف مني هذا الموقف الودود .
و مما أتذكر من مواقف خلال تلك الفترة أن بروفات " الزيارة " كانت تتم في الفترة الأولى على خشبة مسرح الفردوس الذي يُقدم عليه عرض " وجهة نظر " و كانت تضم كافة النجوم الذين ذكرتهم و معهم مجموعة الشباب محدودة العدد الذين كُنت بينهم ، حتى كان أحد الأيام حين وصلت للمسرح فوجدت الجو العام يشوبه التوتر و الإحباط يكسو وجوه زُملائي من الشباب ، و ما أن رفعت بصري إلى خشبة المسرح حتى تبين لي السبب إذ كانت هناك بروفة تجري على قدم و ساق ( قبل الموعد المُحدد لبروفاتنا ) و يشارك فيها عدد من الوجوه التي لم نرها من قبل و كان من الواضح أنهم من الراقصين المُحترفين و ليسو مُمثلين ( و كان العرض يشتمل على حركة مجاميع و بعض الإستعراضات الراقصة ) و كانوا يقومون بنفس ما تدربنا عليه و نؤديه بكفاءة لذا لم نجد تفسيراً لوجودهم المُفاجيء سوى أنه إحلال لنا مما إعتبرناه طعناً في قُدراتنا !
وقفنا خارج قاعة المسرح نتشاور و نضرب أخماساً في أسداس ، و فجأة وجدتني و قد " سخنت " كعادتي ، خاصة في سني الشباب ، و توجهت إلى الأُستاذ شوقي طنطاوي ( المُساعد العتيد للمُخرج محمد صُبحي ) مُبلغاً إياه إعتذاري عن الإستمرار مع الفرقة و محاولاً تسليمه ما سبق لي إستلامه من " أجر البروفات " ، فأُسقط في يد شوقي و أوضح لي أنه لا يملك صلاحية البت في مثل هذا الأمر و أن الكلمة الأخيرة بالطبع " للأُستاذ " ثُم تركني و توجه إلى حيث يجلس الفنان محمد صُبحي أثناء إدارته للبروفة و مال عليه هامساً في أُذنه ، فما كان من " صُبحي إلا أن مال بجذعه حتى يظهر لي وجهه من خلف جسد شوقي مُنادياً إياي فتوجهت إليه فباغتني بالسؤال : معاك فلوس سلف ؟ فوجدتني تلقائياً أُحكم قبضة يدي على النقود و أُخفي ذراعي كُله خلف ظهري خجلاً ، فتبسم صُبحي قائلاً : " ده أنا بقول عليك أنضج واحد فيهُم ، إمبارح أنا رُحت الأوبرا و تنبهت إلى أن مساحة خشبة المسرح الكبير تبلغ عدداً من أضعاف مساحة خشبة المسرح هنا ، فكان لابد من زيادة العدد و إلا المسرح هايبلعكم ، و المجموعة الجديدة دي من الراقصين فلن يُخل ذلك بدور أي منكُم ، فياريت تفهم زمايلك الكلام ده و إستعدوا لبدء البروفة .
في اليوم التالي و فور وصولي للمسرح في موعدي توجهت مُباشرة للأُستاذ صُبحي قائلاً له : أنا باعتذر إمبارح كان فيه ظروف و ما قدرتش آجي البروفة ، فتهللت أساريره و هب واقفاً و إحتضنني قائلاً : " الله ... ده أحلى إعتذار سمعته في حياتي " ، من الطريف أن أحداً من الموجودين لم يسمع الحوار لكن الجميع فوجيء بمحمد صُبحي و هو يحتضنني و بالسعادة البادية على وجهه فأقبلت بعض الزميلات و شكلن طابوراً خلفي و كأنما ينتظرن دورهن في تلقي " حضن " من النجم الكبير فضحك الجميع و صاح صُبحي ضاحكاً : إمشي إنتي و هي ده مش أوكازيون "
و ظل بعض الزملاء بقية اليوم يحاولون سؤالي عن ما قلته له حتى يقف مني هذا الموقف الودود .
تم عرض مسرحية " الزيارة "على المسرح الكبير بدار الأُوبرا و لمُدة ثلاثة أيام كما هو مُخطط ، و حقق العرض نجاحاً كبيراً و كانت عودة العملاقة سناء جميل إلى خشبة المسرح هي دُرة تاج العرض و أعظم ثماره ، و لما كُنت – إلى جانب مُشاركتي المتواضعة في العرض – مسئولاً عن أحد "كالوسي" المسرح و من ذلك تنظيم دخول و خروج المُمثلين فقد كُنت أُعاني أحياناً من البحث عن واحد أو آخر من زُملائي الشباب لأنبهه لدخوله إلى المسرح ، في حين لم يحدُث أن كان هُناك دخول للسيدة سناء جميل إلا و إلتفتت لأجدها واقفة خلف الكالوس في صمت عاقدة يديها على صدرها مُغمضة العينين خفيضة الرأس و ذلك قبل مُفتاح دخولها بدقائق ( و هذا زمن طويل في عالم المسرح ) .
إن ما يُروى و يُكتب عن نجوم الزمن الجميل ليس أساطير تُنسج و لا دعايا تُروج ، فقد رأيت من الإلتزام و الرُقي ما هو أكثر بكثير مما يُروى ، و على مدار تلك الفترة الزمنية المحدودة التي تواجدت فيها – على إستحياء – في المسارح و الإستديوهات ، رأيت ذلك الإلتزام و الأدب الجم و التواضع العظيم من السيدة سناء جميل ، و جميل راتب ، و عبد المنعم مدبولي و جمال إسماعيل , و فهمي الخولي و السيدة مديحة يسري و حسن كامي و خالد زكي و يوسف رجائي و زايد فؤاد و سميرة عبد العزيز و ماجدة منير و الراحل أحمد حسين و الفنانة عايدة فهمي و الراقصة عزة شريف ، و الراحل يوسف داوود الذي، في أحد أيام بروفات " الزيارة " ، تزامن وصولنا إلى مسرح الفردوس و " ركن كُلاً منا لسيارته بجوار الآخر ، و كانت السيارتان مُتماثلتان من طراز لادا و موديل عمره تجاوز السنوات العشر ، فقُلت له مُداعباً : العربيات دي المفروض نغيرها بقى ، فأجابني بإبتسامة ودودة راضية : " فضل و عدل يابني .. فضل و عدل " جُملة قصيرة كانت درساً عظيم الأثر ، و من الطريف أنني بعد سنوات صادفته في إشارة مدخل المعادي و قد غير كلانا سيارته بسيارة " سكودا " من نفس الطراز أيضاً " ! و حتى اليوم و كُلما شاهدت فيلم " عسل إسود " و عند العبارة الشهيرة على لسان يوسف داوود " إحنا عندنا هنا الكونسبت بتاع الحمد لله " أتذكر ذلك الموقف و يرد في خاطري أن تلك العبارة رُبما يكون يوسف داوود قد أضافها إلى حوار الفيلم من مخزون قناعاته و أخلاقياته الرفيعة ... ، و الحديث عن الإلتزام و التواضع و الأدب الجم ينسحب بالتدريج على كاست مسرحية " وجهة نظر " بالكامل ، و غيرهم كثيرين ، بل أنني في إحدى مرات تواجدي بمبنى ماسبيرو رأيت العظيمة أمينة رزق شخصياً و قد دخلت إلى إحدى الغرف حيث كانت تدور إحدى بروفات " الترابيزة " و لم يكن هناك أي مقعد شاغر في المكان و كنت أجلس في أول كرسي بجوار الباب فما أن رأيتها حتى قمت واقفاً بالطبع ( و كنت في العشرينيات من العمر ) لأجلسها : إتفضلي حضرتك ، فجالت ببصرها أولاً في المكان فأدركت عدم وجود أي كرسي شاغر فنظرت إلي بعينين لم أر في جمالهما و لا في جمال نظرتهُما و ردت في إستنكار ودود :
" طب و إنت ؟ إنت هاتقعد فين؟ "
و بالطبع أجبتها مذهولاً : أنا إيه حضرتك ؟ ! إتفضلي .
إن ما يُروى و يُكتب عن نجوم الزمن الجميل ليس أساطير تُنسج و لا دعايا تُروج ، فقد رأيت من الإلتزام و الرُقي ما هو أكثر بكثير مما يُروى ، و على مدار تلك الفترة الزمنية المحدودة التي تواجدت فيها – على إستحياء – في المسارح و الإستديوهات ، رأيت ذلك الإلتزام و الأدب الجم و التواضع العظيم من السيدة سناء جميل ، و جميل راتب ، و عبد المنعم مدبولي و جمال إسماعيل , و فهمي الخولي و السيدة مديحة يسري و حسن كامي و خالد زكي و يوسف رجائي و زايد فؤاد و سميرة عبد العزيز و ماجدة منير و الراحل أحمد حسين و الفنانة عايدة فهمي و الراقصة عزة شريف ، و الراحل يوسف داوود الذي، في أحد أيام بروفات " الزيارة " ، تزامن وصولنا إلى مسرح الفردوس و " ركن كُلاً منا لسيارته بجوار الآخر ، و كانت السيارتان مُتماثلتان من طراز لادا و موديل عمره تجاوز السنوات العشر ، فقُلت له مُداعباً : العربيات دي المفروض نغيرها بقى ، فأجابني بإبتسامة ودودة راضية : " فضل و عدل يابني .. فضل و عدل " جُملة قصيرة كانت درساً عظيم الأثر ، و من الطريف أنني بعد سنوات صادفته في إشارة مدخل المعادي و قد غير كلانا سيارته بسيارة " سكودا " من نفس الطراز أيضاً " ! و حتى اليوم و كُلما شاهدت فيلم " عسل إسود " و عند العبارة الشهيرة على لسان يوسف داوود " إحنا عندنا هنا الكونسبت بتاع الحمد لله " أتذكر ذلك الموقف و يرد في خاطري أن تلك العبارة رُبما يكون يوسف داوود قد أضافها إلى حوار الفيلم من مخزون قناعاته و أخلاقياته الرفيعة ... ، و الحديث عن الإلتزام و التواضع و الأدب الجم ينسحب بالتدريج على كاست مسرحية " وجهة نظر " بالكامل ، و غيرهم كثيرين ، بل أنني في إحدى مرات تواجدي بمبنى ماسبيرو رأيت العظيمة أمينة رزق شخصياً و قد دخلت إلى إحدى الغرف حيث كانت تدور إحدى بروفات " الترابيزة " و لم يكن هناك أي مقعد شاغر في المكان و كنت أجلس في أول كرسي بجوار الباب فما أن رأيتها حتى قمت واقفاً بالطبع ( و كنت في العشرينيات من العمر ) لأجلسها : إتفضلي حضرتك ، فجالت ببصرها أولاً في المكان فأدركت عدم وجود أي كرسي شاغر فنظرت إلي بعينين لم أر في جمالهما و لا في جمال نظرتهُما و ردت في إستنكار ودود :
" طب و إنت ؟ إنت هاتقعد فين؟ "
و بالطبع أجبتها مذهولاً : أنا إيه حضرتك ؟ ! إتفضلي .
في حين صادفت في ستوديو الأهرام مثلاً نجماً تلفزيونياً شاباً ( في ذلك الوقت ) يفتعل المشاكل بسبب تغيير الماكيير و يترك موقع التصوير مُدعياً الغضب ليلحق بتصوير عمل آخر بإستوديو مصر ، ثُم يعود " إستجابة " لمحاولات ترضيته ، و بعد أن أنجز مشاهده في العمل الآخر !
و للإنصاف فقد رأيتُ أيضاً في ستوديو مصر نجمة كبيرة من نجمات التمثيل و الرقص في زمن قديم لا تتوقف أثناء يوم التصوير عن نشر أكثر الألفاظ بذاءة و سوقية حولها و لأتفه الأسباب رغم أنها تُعد من عمالقة التمثيل ( و الرقص في شبابها ) ، و قد يلومني البعض على هذه الإشارة الأخيرة لكني أردت بها أن أُبريء هذا المقطع من ذكرياتي المتواضعة من شُبهة الإنحياز لأجيال العمالقة و وصم أجيال الشباب فأكون بهذا قد جانبت الموضوعية ، و على أية حال فإن كُل ما أتذكر في السطور السابقة ليس سوى بعض من ذاكرة شخص إحتك بالوسط الفني إحتكاكا محدوداً سواء في حجم التجربة أو في مداها الزمني لذا فهي لا تعدو كونها ذكريات و إنطباعات شخصية و في حدود حجم التجربة المتواضع .
و من طرائف ذكريات عرض " الزيارة " و الذي كان يُعرض في دار الأوبرا المصرية بجزيرة الزمالك ، أن العرض كان يبدأ في السابعة ثُم نهرع نحنُ المُشاركون في عرض " وجهة نظر" إلى " مسرح الفردوس " بميدان الفردوس في طريق صلاح سالم حتى نلحق بموعد رفع الستار في العاشرة ، فكان الأُستاذ محمد صُبحي بمُجرد إسدال ستار نهاية عرض الزيارة يومياً يُعلن بصوت عال أن من سيصل إلى مسرح الفردوس بعده هو شخصياً سوف يتعرض للخصم من أجره ، ثُم ينصرف مُسرعاً فنجري جميعاً مُحاولين ان نطير إلى مسرح الفردوس ،كُلٌ منا بوسيلته الخاصة للإنتقال ، و أتذكر أنه على مدار أيام العرض الثلاثة و قبلها أيام البروفات الأخيرة على مسرح الأوبرا الكبير ، كان يجري – حرفياً – سباق سيارات في شوارع القاهرة بين الفنان محمد صُبحي بسيارته الفولفو القوية ، و بيني بسيارتي اللادا العتيدة ، و بين مُصطفى شعبان ( و كان بعد طالباً بالجامعة ) بسيارته المازدا الصغيرة ، فكُنا نُثير الفزع و الدهشة على طول الطريق بين المسرحين بدءاً من كوبري قصر النيل مروراً بميدان التحرير فشارع طلعت حرب فميدان طلعت حرب و شارع قصر النيل إلى ميدان مُصطفى كامل فميدان الأوبرا ( القديمة ) و شارع الأزهر إلى صلاح سالم وصولاً إلى المسرح بميدان الفردوس ، أحياناً كان يسبقنا فندخل لنراه راسماً الجدية الشديدة على وجهه كاتماً الضحك صائحاً فينا : " إيه اللي أخركُم يا أساتذة ؟ كُنتوا فين ؟ " ، و أحياناً كُنا نسبقه فيدخُل ليجدنا في إنتظاره مُبتسمين بإنتصار فيصيح فينا : " يللا يا أساتذة إجهزوا " !!!
و للإنصاف فقد رأيتُ أيضاً في ستوديو مصر نجمة كبيرة من نجمات التمثيل و الرقص في زمن قديم لا تتوقف أثناء يوم التصوير عن نشر أكثر الألفاظ بذاءة و سوقية حولها و لأتفه الأسباب رغم أنها تُعد من عمالقة التمثيل ( و الرقص في شبابها ) ، و قد يلومني البعض على هذه الإشارة الأخيرة لكني أردت بها أن أُبريء هذا المقطع من ذكرياتي المتواضعة من شُبهة الإنحياز لأجيال العمالقة و وصم أجيال الشباب فأكون بهذا قد جانبت الموضوعية ، و على أية حال فإن كُل ما أتذكر في السطور السابقة ليس سوى بعض من ذاكرة شخص إحتك بالوسط الفني إحتكاكا محدوداً سواء في حجم التجربة أو في مداها الزمني لذا فهي لا تعدو كونها ذكريات و إنطباعات شخصية و في حدود حجم التجربة المتواضع .
و من طرائف ذكريات عرض " الزيارة " و الذي كان يُعرض في دار الأوبرا المصرية بجزيرة الزمالك ، أن العرض كان يبدأ في السابعة ثُم نهرع نحنُ المُشاركون في عرض " وجهة نظر" إلى " مسرح الفردوس " بميدان الفردوس في طريق صلاح سالم حتى نلحق بموعد رفع الستار في العاشرة ، فكان الأُستاذ محمد صُبحي بمُجرد إسدال ستار نهاية عرض الزيارة يومياً يُعلن بصوت عال أن من سيصل إلى مسرح الفردوس بعده هو شخصياً سوف يتعرض للخصم من أجره ، ثُم ينصرف مُسرعاً فنجري جميعاً مُحاولين ان نطير إلى مسرح الفردوس ،كُلٌ منا بوسيلته الخاصة للإنتقال ، و أتذكر أنه على مدار أيام العرض الثلاثة و قبلها أيام البروفات الأخيرة على مسرح الأوبرا الكبير ، كان يجري – حرفياً – سباق سيارات في شوارع القاهرة بين الفنان محمد صُبحي بسيارته الفولفو القوية ، و بيني بسيارتي اللادا العتيدة ، و بين مُصطفى شعبان ( و كان بعد طالباً بالجامعة ) بسيارته المازدا الصغيرة ، فكُنا نُثير الفزع و الدهشة على طول الطريق بين المسرحين بدءاً من كوبري قصر النيل مروراً بميدان التحرير فشارع طلعت حرب فميدان طلعت حرب و شارع قصر النيل إلى ميدان مُصطفى كامل فميدان الأوبرا ( القديمة ) و شارع الأزهر إلى صلاح سالم وصولاً إلى المسرح بميدان الفردوس ، أحياناً كان يسبقنا فندخل لنراه راسماً الجدية الشديدة على وجهه كاتماً الضحك صائحاً فينا : " إيه اللي أخركُم يا أساتذة ؟ كُنتوا فين ؟ " ، و أحياناً كُنا نسبقه فيدخُل ليجدنا في إنتظاره مُبتسمين بإنتصار فيصيح فينا : " يللا يا أساتذة إجهزوا " !!!
و للحديث بقية ...
طارق فهمي حسين
٤ نوفمبر ٢٠١٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق