الجمعة، 8 ديسمبر 2017

٣- مسرح السامر.

3- مسرح السامر
===== 

كانت المرة الأولى تطأ فيها قدماي مسرح السامر بالعجوزة في صيف عام 1976 حين حصلت على الثانوية العامة و كان أحد الخيارات المحدودة أمامي أن ألتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، و المُفارقة هنا أنني إخترت وقتها أن أتقدم للإلتحاق بقسم النقد المسرحي ، في حين أنني عُدت بعد سنوات تقترب من العشرة لألتحق بقسم التمثيل و لكن في إطار الدراسات الحُرة ، كما ذكرتُ سابقاً .
و في إطار الإستعداد لإمتحانات القبول بقسم النقد وقتها قرأت عددا من الكُتب القيمة و المُمتعة عن المسرح أبو الفنون ، و عرفت أسماء عظيمة مثل دريني خشبة و فؤاد دوارة ، ثُم أرسلني أبي إلى مسرح السامر لألتقي بمُديره وقتها المُخرج المسرحي الأُستاذ / عبد الرحمن الشافعي و الذي تجمعنا به صلة قرابة وثيقة ، و ذلك حتى يشرح لي بعض الأمور عن المسرح و يُساهم في إعدادي لدخول الإمتحان ، فكانت خطواتي الأولى داخل مسرح السامر الذي ربطتني به مشاعر عميقة مُنذ الوهلة الأولى ، و رغم أنني نشأت مُنذ طفولتي المُبكرة بين كواليس و رُدهات و قاعات المسارح ، و تحديداً مسرح القاهرة للعرائس ، إلا أن مسرح السامر كان عالماً آخر لا يُشبه كُل ما عرفت من مسارح و لا يُشبهه أي منها إذ يضُم بين جُدرانه يومياً العشرات بل المئات من " المُريدين " و " المضروبين بالمسرح " أغلبهم من أصحاب المواهب الحقيقية ، و رُبما بعض من الأدعياء أيضاً، لكن كل من هؤلاء و أولئك كان يجمعهم بالتأكيد حُب حقيقي و صادق للمسرح و لفن التمثيل إذ أن أجواء و ظروف مسرح السامر و الثقافة الجماهيرية عموماً لا تجتذب طالبي الشُهرة و لا طالبي المال بطبيعة الحال .
إستقبلني الأُستاذ / عبد الرحمن الشافعي أو " الريس " كما يدعوه الجميع بترحاب و بشاشة شديدين ، و أغدق علي شرحاً وافياً للكثير من المعلومات عن فن المسرح و عناصره ، كما أخذني في جولة ميدانية إلى خشبة المسرح شارحاً لي كُل صغيرة و كبيرة و موضحاً لي ما هي " السوفيتا " و "الكواليس" و " البنطلونات " و " البرتيكابل " ... إلخ ...
و بالفعل تقدمت إلى إمتحانات القبول ، و التي كانت كُلها إمتحانات تحريرية تُعقد على مدار ثلاثة أيام مُتتالية منها يوم للإمتحان باللُغة الإنجليزية ! و أتذكر أنه كانت تجلس في " الديسك " المُجاور لي في اللجنة السيدة رجاء زوجة الكاتب الكبير د. يوسف إدريس ، و قد تعرفت على شخصيتها من الذاكرة من خلال صورها القديمة في زفاف أبي و أُمي .
ادهشني بشدة وقتها مستوى الإمتحانات الثلاثة و طبيعة الأسئلة إذ رأيت أن من يستطيع إجتياز إمتحان كهذا لابد و أن يكون بالفعل ناقداً مسرحياً كبيراً و لا حاجة به للدراسة بالمعهد ، و جال بخاطري أنني رُبما أكون قد دخلت بالخطأ إلى لجنة لقبول " مُحاضرين " بالمعهد و ليس طُلاباً خارجين لتوهم من الثانوية العامة ! لكن هذا بالطبع كان منطق ذلك الصبي اللعوب ذو السبعة عشر عاماً و الذي إجتاز الثانوية العامة بصعوبة في المحاولة الثانية ، ذلك الصبي الذي كُنته وقتها ، و الذي حاولت أن أتمسك بما تبقى منه حتى الرمق الأخير ، لكن تلك أيضاً قصةٌ أُخرى ...
و الطريف أنني لدى خروجي مُكفهراً من أحد تلك الإمتحانات قابلت على سلم المعهد الفنان خالد زكي و الذي كان وقتها خريجاً حديثاً من المعهد ، و كُنت أعرفه من نادي القاهرة الرياضي مهد الطفولة و الصبا و الشباب ، إذ كان خالد زكي – و من قبل أن يعمل بالتمثيل – نجم نادي القاهرة الأول و بلا مُنازع ، إذ كان بطل النادي في تنس الطاولة و بطل الجمهورية في الكروكيه ، فضلاً عن وسامته الطاغية و أدبه الجم ، إستقبلني خالد زكي على سلم المعهد هاشاً باشاً إلتقط من يدي ورقة الأسئلة فإستعرضها سريعاً مُعقباً : كويس كويس ، أسئلة سهلة جداً ، عملت إيه ؟ فأجبته و أنا أُغالب مشاعر شتى : الحمدُ لله ، كويس .
حين ظهرت نتيجة القبول بالمعهد لم يُحالفني التوفيق ، و أرجع أبي ذلك إلى الخصومة الثقافية و السياسية أيضاً بينه و بين د. رشاد رُشدي رئيس أكاديمية الفنون وقتذاك ، في حين أرجعت أنا الأمر في سريرتي إلى التحليل الموغل في السياسة و الجانح إلى أقصى ضفاف اليسار لمسرحية " سكة السلامة " و الذي وضعه قلمي على ورقة الإجابة في أحد تلك الإمتحانات دون أن أذكر لا بالخير و لا بالشر أي من عناصر العرض المسرحي من إخراج أو حركة مُمثلين أو أدائهم أو إضاءة أو ديكور ... إلخ ، و قد يكون تعثُري بالفعل لهذا السبب أو ذاك أو لكلاهُما معاً ، و رُبما لسبب أو أسباب أُخرى و سوف تبقى الحقيقة سراً من أسرار تاريخ المسرح في مصر و العالم العربي !!!
على أية حال فإنني في تلك المرحلة إكتفيت من الغنيمة بالإياب ، وهجرت عالم المسرح – إلى حين - بإباء و شمم ( و لم أكُن قد إلتحقت به أساساً ) و إكتفيت بدراسة الإقتصاد !
و قبل أن أختم هذا الجُزء من حديث الذكريات هذا تحضُرني قصة طريفة تتعلق بحالة أُخرى – غير حالتي – من الإخفاق في الإلتحاق بالمعهد العالي للفون المسرحية ، وهي قصة رواها لي الفنان الجميل الراحل شعبان حسين إبان فترة صداقتنا و " تزاملنا " في مسرح محمد صُبحي خلال عرض مسرحية " وجهة نظر " و كذا مسرحية " الزيارة ، و هي الفترة التي سوف يرد ذكرها تفصيلاً في قادم الحلقات بإذن الله .
روى لي الفنان شعبان حسين ، فيما روى ، أن إبن المُمثل القديم و الكبير سعيد خليل كان قد تقدم للإلتحاق بقسم التمثيل بالمعهد و أخفق في إختبارات القبول فغضب الفنان سعيد خليل جداً و إتصل تليفونياً بصديقه الأُستاذ بالمعهد الفنان سعد أردش مُعاتباً إياه :
- بقى يا سعد أبعت لكُم إبني علشان يدخُل المعهد تقوموا تسقطوه ؟!
- يا سعيد ماهو الولد بصراحة مش موهوب ، يعني ما ينفعش مُمثل .
فعقب سعيد خليل و قد تملكه الغيظ :
و مين قالك بس إني عايزه يطلع مُمثل .
فرد سعد أردش مُستفسراً :
أُمال عايزه يطلع إيه ؟
فعاجله سعيد خليل :
يعني ... زيكم كده .
                       و للحديث بقية ...
طارق فهمي حسين
٩أكتوبر ٢٠١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق