الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

رحلة البحث عن كتاب .



رحلة البحث عن كتاب .
=======

رغم ثقتي التامة في صحة المقولة الشهيرة بأن : ” الشكوى لغير الله مذلة “، إلا أنني – على الجانب الآخر – أعتقد في أن ” الفضفضة ” إن لم تُفد شيئاً سوى تفريغ الشُحنات الزائدة ، فإنها بالتأكيد لا تضُر ، كما أن رواية ما قد يقع فيه المرء أحياناً من ” فخاخ ” قد يكون فيه العبرة و الفائدة للآخرين ، و على ذلك إليكم قصتي :
في بدايات هذا العام أو ربما في نهايات العام المنصرم ، و في جلسة جمعتني – للدقة شرفتني – بالدكتور نبيل رشوان و الصديق العتيد مجدي صُبحي عرفت من الدكتور نبيل رشوان أن المركز القومي للترجمة بصدد إصدار ترجمته لكتاب ” الكواليس السرية للشرق الأوسط ” من تأليف الكاتب و السياسي و المُفكر الراحل يفيجيني بريماكوف رئيس وزراء روسيا الإتحادية السابق ، و أن ذلك الإصدار سيأتي مواكباً لمعرض القاهرة السنوي للكتاب ، و لما كان قد سبق لي قراءة ترجمة الدكتور نبيل لمذكرات الحارس الشخصي لبريجينيف تحت عنوان ” حُكم العواجيز ” ، و كذا ترجمته لمذكرات جورباتشوف،  كما كان قد سبق لي قراءة المؤلف المشترك لبريماكوف مع بلياييف المعنون ” مصر في عهد عبد الناصر ” و بالتالي كان إدراكي لأهمية و وزن كلاً من المؤلف و المُترجم كبيراً مما فتح شهيتي بشدة لتلقف الكتاب الموعود و قراءته – أو على الأقل إقتناءه – فور صدوره توطئة لقراءته ضمن أولويات خطتي القصيرة في القراءة ، و هكذا فبمجرد ما أن حل موعد معرض الكتاب ، كما تزامن ذلك مع قراءتي لخبر منشور على صفحة الدكتور نبيل رشوان نفسه مفاده صدور الكتاب بالفعل ، و عليه فقد بدأت حملة مُكثفة من التردد على كُل ما وصل إليه علمي من مكتبات و فروعها المُختلفة بحثا عن الكتاب ، و لفترة إمتدت إلى بضعة شهور أجريت خلالها ما يشبه المسح الميداني لفروع مكتبات ألف و الشروق و الأهرام و بالطبع مدبولي و غيرها من المعروف و المجهول من مكتبات ، و حتى عند باعة الصحف بحثاً عن الكتاب دون جدوى ، و نظراً لأنني ممن تنطبق عليهم الحكمة الشعبية الخالدة ” اللي فيه داء ما يبطلوش ” فقد كنت أخرج من كل زيارة لفرع مكتبة أو لفرشة كُتب مُحملاً بما لذ و طاب من الكُتب الجديدة أو القديمة التي فاتني إقتنائها و قراءتها على مدار العُمر و مُنفقاً في كُل مرة بالطبع النفيس من المال حتى كدتُ أن أعيش على نفقة زوجتي على مدار شهور البحث المُضني عن الكتاب !!!
و لما كانت آفة ” طارق فهمي ” العند – و ليس النسيان كأهل حارة نجيب محفوظ – فقد توجهت في النهاية إلى عُقر دار المركز القومي للترجمة ذاته ، و القابع في حرم دار الأوبرا المصرية ، أو ” المركز الثقافي التعليمي ” كما أوصى بُناته اليابانيون بتسميته و تحايلت عليهم الفهلوة المصرية بوضع لافتة مؤقتة بالإسم الموصى به و دهان اليافطة ” بالزبدة التي ساحت و ساح معها الإسم بطلوع النهار !… ما علينا …
إقتحمت ذات يوم مقر مركز الترجمة مُتجهماً سائلاً عن الكتاب مؤكداً أنني أعلم من مصدر موثوق هو المُترجم ذاته ( و لم أجرؤ على الإدعاء أنه المؤلف ذاته رحمه الله ) أن الكتاب قد صدر بالفعل و أنه لا فائدة من إنكار صدوره ، و طالبت بحقي الفوري في نُسختي من الكتاب ، فنظر إلي موظف المركز نظرة الخبير و لسان حاله يقول ” تروح فين إنت ؟ يا ما دقت على الراس طبول ” ثُم إبتسم في ثقة و تفتر فمه عن الجُملة العجيبة التالية : ” هو الكتاب صدر بالفعل لكن لم يتم تسعيره بعد ، و بمجرد أن يتم تسعيره سيتم طرحه للجمهور .
إضطررت إلى إبتلاع إهانة وصفي ” بالجمهور ” رغم معرفتي بالدكتور نبيل رشوان نفسه ، و بل و صداقة أبي الراحل مع بريماكوف شخصياً … تجاوزت تلك الإهانة و رددت على البائع مُتلعثماً : ” و مـ … متى سيتم ذلك ؟هه؟
أجاب في شموخ : قريباً قريباً … تستطيع أن تُتابعنا بالتليفون .
إبتلعت هذه أيضاً كسابقتها و إستدرت مُنصرفاً بعد أن حملتني الأرفف المُغرية بحمولة يُعتد بها من نفائس المُترجمات بعد أن دفعت فيها بالطبع – و كالعادة – ” شيء و شويات !!!
فضلاً عن هول ما أنفقت من طائل الأموال خلال رحلة البحث عن كتاب ” الكواليس السرية للشرق الأوسط ” فقد واجهتني مُشكلة أُخرى قد يراها البعض فرعية ، في حين يُدرك المُتزوجون من أمثالي ” مدى جسامتها ، فقد فاضت مكتبتي المتواضعة بالكُتب ، و أنت أرفُفها بأسفارها ، و بعد أن وزعت زوجتي بصرها في هدوء صارم بيني و بين محفظتي الخاوية و بين أرفف المكتبة ، تطوعت بكرمها المعهود بإخلاء هذا ” التروللي الذي يظهر في الصورة ، و تبرعت به كمأوى لفائض الكُتب الذي نجم عن رحلة البحث المُشار إليها بعاليه … و لأن لكُل مُجتهد نصيب ، وكما أن مُدمن الطرق للأبواب يصلُ ، فقد أنعم المركز القومي للترجمة أخيراً على الكتاب بأن حدد له سعراً ، و بالتالي تم طرحه للبيع و تلقفته أنا فوراً ببراعة و سُرعة تفوقان سُرعة و براعة حارس مرمى المُنتخب القومي !( للكُرة و ليس للترجمة ) و لم أنس بالطبع أن أخرج من المركز حاملاً الكتاب مُحاطاً بكوكبة أخيرة – في هذه الرحلة – من الكُتب ، رافعاً رأسي في كبرياء و شمم رغم ما يُعانيه جيبي من خواء .
طارق فهمي حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق