توقيع على الطبعة الأولى
أسعدني الحظ يوم الأربعاء الماضي الرابع من يناير ٢٠١٧ ، بل كوفئت على حرصي على حضور حفل توقيع رواية الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد الجديدة “ قطط العام الفائت “ ، كُنت قد علمت أن الدار ستقدم خصماً على ثمن بيع النُسخة بقيمة ٥٠٪ من السعر الأصلي و ذلك خلال حفل التوقيع ، لم يستوقفني هذا العرض شديد السخاء و قلبت شفتي السفلى على نحو ينم عن عدم المبالاة بهذا الخصم الكبير ، ذلك لسببين : الأول أنني قد سبق و إشتريت نُسختي من الرواية مُنذ اليوم الأول الذي وقعت فيه عيناي عليها و هي تستقر بالكاد على أرفف المكتبات ، و هذا - و منذ سنوات طويلة - دأبي مع كُتاب بعينهم ، و في القلب منهم بالتأكيد الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد الذي كان لقائي الأول مع سطوره السحرية من خلال رواية “ ليلة العشق و الدم “ حيثُ سحبتها بأصابعي الصغيرة - مُنذ عقود - من بين أرفف مكتبة أبي حيثُ لفت نظري الإسم الغامض للرواية فقرأتها في جلسة واحدة ، و في تلك السن المبكرة نسبياً إنغلقت على فهمي مفاتيح الرواية القصيرة لكنها في ذات الوقت - للغرابة - سحرتني و أحسست بأنني إنتقلت إلى مرحلة أعلى من القراءة و ظللت أياماً مسحوراً يكتنفني ذلك الغموض الذي أحاطني و أنا بين صفحات “ ليلة العشق و الدم “ ثُم سحبتني السياسة و أمور أُخرى قراءة و إهتماماً لعقود ، و حين شاب نفسي شيء من النُضج عدت إلى القراءة المتوازنة و بالتالي إلى الأدب فكان مدخلي بالضرورة إعادة قراءة “ ليلة العشق و الدم “ و منها إلى تقفي خُطى قلم إبراهيم عبد المجيد محاولاً أن أقرأ كُل ما صدر له من روايات ، و هي المحاولة التي تحولت إلى رحلة سعيدة أحرص على أن تستمر ما إستمرت بي الحياة.
أما السبب الثاني لعدم مُبالاتي بذلك الخصم السخي على سعر نُسخة “ قطط العام الفائت “ ، و رغم أنني كواحد من أبناء الطبقة الوسطى أحرص بالطبع على الإستفادة من أية خصومات أو تخفيضات تُقدم على “ السلع و الخدمات “ التي يمكن أن أستفيد منها ، لكن حين يتعلق الأمر بالأدب و الثقافة فلا أدري لماذا ، عفواً ، بل أدري لماذا لا تستوقفني التخفيضات ، و لو إستطعت لدفعت أكثر من المطلوب في رواية أو ديوان من الشعر أو كتاب جيد في التاريخ أو السياسة أو غيرها أو في عرض مسرحي هام أو فيلم ذو قيمة عالية ، أو حفل غنائي ذو مستوى يسمو بالنفس و يُشذب ثناياها إذ أرى أن ما أدفع في هذه الحالات مهما بلغت قيمته إنما يُمثل مُساهمة بسيطة متواضعة في “ الإنتاج “ بأثر رجعي لهذا العمل الفني أو الأدبي الذي به تُبنى العقول و تُهذب النفوس و تسمو الأرواح .
كان حفلا جميلا حيث أفصح وجود هذا الحشد الهائل الذي “ إكتظت “ به القاعة و وصلت إمتداداته إلى خارج مقر الدار المصرية اللبنانية و على سلالم المبنى و لا أدري إن كانت وصلت إلى الشارع على بعد ثلاث طوابق أم لا إذ كافئني حرصي على التبكير بأن أتميز بالجلوس داخل قاعة الإحتفال ذاتها و في صف رابع أو خامس كماأختار لنفسي دائماً! أقول أفصح وجود هذا الحشد الهائل عن معان كثيرة جميلة أولها حب الناس و فهمهم لأدب إبراهيم عبد المجيد و رواياته المدهشة ، و منها أن الثقافة في مصر و تعطش الناس لها مازالا بخير ، و ذلك فضل يعود لكتيبة الأدباء و الفنانيين الذين يثابرون على صنع فن و أدب صادق و جميل ، تلك الكتيبة التي في القلب منها ، بل يقود أحدى أهم فصائلها - الرواية - إبراهيم عبد المجيد أحد أهم صناع الوجدان المعاصرين و مبشروا الغد و كاشفوا آفاقه. .
رأيت في الحفل أيضا جانبا إنسانيا رائعا في كاتبنا الكبير إبراهيم عبد المجيد الذي كانت هذه الفرصة الثانية في حياتي لأن ألتقيه شخصيا ، بعد صحبة سنوات طويلة عبر سطوره المبدعة ، إذ أحسست به حريصاً - و بتلقائية شديدة - على أن يحتوي جميع الحاضرين ، على كثرتهم بنظراته المُرحبة المُمتنة و لفتاته و تعليقاته الودودة حتى أنني أعتقد أن كُل واحد من الحضور وصله إحساس بأنه شخصياً ضيف شرف الحفل المُميز ! و لمن يُعايش عالم إبراهيم عبد المجيد الروائي ، و يُدرك مدى إحساسه بالناس و الشوارع و الحواري و مدى إرتباطه بالواقع الذي يرويه و يضم شخصياته نابضة بالحياة بين دفتي كل واحدة من رواياته ، من يُدرك ذلك لابد بالضرورة أن يتوقع بداهة أن يكون إبراهيم عبد المجيد في حفل توقيع أحدث رواياته كمثل أبو العروسة الذي يستقبل أهله و ناسه و يرحب بهم جميعاً بل و كُل على حده قدر المُتاح وسط هذا الحشد .
على صعيد الحدث ذاته فقد كانت الدراسة النقدية القيمة ذات المستوى الأكاديمي التي قدمها د. يُسري عبد الله بمثابة منح القاريء مفاتيح أساسية لقراءة الرواية من منظور نقدي راقي فكانت تلك الدراسة مناسبة تماما لذلك الجانب من الحضور من صفوة الأُدباء و المثقفين ، في حين أتي التحليل الشيق و التأمُلات الذكية و الشاعرية أحياناً للرواية من جانب د. محمد الشحات في متناول البُسطاء من الحاضرين من أمثالي ، فتكامل العرض النقدي لكلا الأُستاذين الكبيرين ليحتويا جمهور الحضور على تنوعه ، لذا فإن الجهد الرائع الذي قام به كلا الناقدان الكبيران د. يسري عبد الله و د. محمد الشحات و وضعاه بسلاسة بين يدي الحضور مثلا إضافة عالية القيمة للقاريء المُقبل على مُعايشة رواية “ قطط العام الفائت “ و لعل هذا هو دور النقد الأدبي في إحدى أجمل تجلياته في تلك الليلة الرائعة من ليالي إبراهيم عبد المجيد .
أما الدار المصرية اللبنانية و ما تتصدى لنشره من إبداع بل و ما “ تتجاسر” على نشره ، مما أفصحت عنه الأرفف المُحملة بالدُرر الثقافية من كُل الأجيال و تيارات الأدب و الفكر و التاريخ على جانبي قاعة الإحتفال ، فلا توفيها تحية أو شُكر و يكفي ما يفصح عنه إسم الدار ذاته حيثُ أن الجمع بين مصر منبع الثقافة العربية و لبنان منارة الطباعة و النشر يختصر الكثير مما يُمكن أن يُقال ، فقط أُوجه مُلاحظة إلى الدار ، و يدعمني فيما أقول هذا الإكتظاظ بالحاضرين الذي نوهت عنه في بدايات كلامي أنه حين يكون الحدث متعلقاً بعمل لإبراهيم عبد المجيد أو لمن هم في قامته الإبداعية ، و هم قليلون ، أعتقد أن الأمر يحتاج إلى قاعة في سعة إستاد ناصر الدولي !!!
أخيراً ، و على المستوى الشخصي ، فإن ما ذكرته من حرصي الدائم على إقتناء نُسختي من أعمال إبراهيم عبد المجيد و هي بالكاد تستقر على أرفف المكتبات ، هذا الحرص أتى فيما يبدو بعض ثماره حين لاحظت أن جميع النُسخ على الأرفف و بين أيدي الحضور تحمل تلك العلامة الجانبية الحمراء مُشيرة إلى إنتمائها إلى “ الطبعة التانية “ في حين غادرت أنا وحدي تقريباً الإحتفال بعد إنتهائه مشدود القامة مُنتفخاً بغرور ، حاملاً توقيع الروائى الكبير إبراهيم عبد المجيد على نسختي من الطبعة الأولى .
طارق فهمي حسين
يناير ٢٠١٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق