الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017

البارون الإشتراكي

البارون الإشتراكي
========


هذا الرجُل الأسطوري الذي يُطل من هذه الصورة هو المُناضل و الصحفي و السياسي المصري فاروق القاضي أو ( أحمد الأزهري ) كما إختاره لنفسه إسماً حركياً طيلة سنوات ، بل عقود نضاله الطويلة في صفوف الثورة الفلسطينية بعد أن أدى دوره طويلاً في صفوف الشعب المصري و نضاله ضد الإستعمار البريطاني ثُم في صفوف ثورة ٢٣ يوليو .

فاروق القاضي طالب كُلية الحقوق عضو اللجنة الوطنية العُليا للطلبة و العُمال عام ١٩٤٦ ، و السكرتير البرلماني لفؤاد سراج الدين سكرتير حزب الوفد ، و وزير المالية و الداخلية و زعيم المعارضة في البرلمان في ذلك الوقت ،  و كان فاروق القاضي أيضا   عضو أساسي و فاعل في الحركة الوطنية للتحرر الوطني ( حدتو ) ، ثُم  بعد ثورة يوليو عضو الإتحاد الإشتراكي العربي و تنظيم طليعة الإشتراكيين ، و فيما بعد هو عضو حركة فتح الفلسطينية و المُستشار السياسي لقائد الثورة الفلسطينية ياسر عرفات ، و مُهندس العلاقات الفلسطينية السوفيتية بما له من تاريخ في صفوف اليسار المصري و العربي ، و علاقات شخصية وثيقة مع قادة الإتحاد السوفيتي مثل بريجينيف و جروميكو و حتى بريماكوف ، فاروق القاضي الذي ذاق طعم السجون و المُعتقلات قبل و بعد ثورة يوليو في سبيل الطبقة العاملة المصرية و في سبيل ما يؤمن به ، رغم أنه سليل الأرستقراطية المصرية حتى أن شاعر مصر الكبير عبد الرحمن الخميسي كان يُلقبه بــ " البارون الإشتراكي " و هو اللقب الذي صار لصيقاً به في أوساط اليسار المصري و العربي ، فكان الخميسي يتغنى به مُداعباً :
البارون الإشتراكي
خاين طبقته الملاكي
وسط العُمال لابس كاكي 
و يقول للجماهير أنا وياكي ...
تأملوا جيداً في ملامح هذا الرجُل و اعلموا أن تسعة عقودكاملة من النضال تُطل عليكُم من خلف هذه الملامح التي لم تُغادرها وسامتها ، و هذا الجسد الذي لم تُغادره صلابته رغم كُل ما شهد من معارك و أحداث .
و اليوم ذهبت لألتقيه و أضع بين يديه نُسخة الطبعة الجديدة من كتاب " أصل السبب " الذي خطه قلم رفيق عُمره و نضاله فهمي حسين ... أبي ... و الذي عاصر فاروق القاضي ، بل و حضر كتابة كُل قصة من قصصه .
وضعت النُسخة بين يديه ، و بعض أعداد الصحُف التي كتبت مؤخراً عن فهمي حسين و عن مجموعاته القصصية ، و حدثته عن الندوة التي إنعقدت حول أدب فهمي حسين و عن قُراء جُدد صاروا يعرفون إسم فهمي حسين ، و إنتاجه الأدبي ، و بعضاً من تاريخه الوطني و القومي و الإنساني ، أشرق وجه فاروق القاضي بابتسامة تُخالطها الدموع و أثنى على ما يسمعه مني ، أما أنا فندمت على أنني لم أبلغه في مقر إقامته الدائم حاليا في العاصمة الأُردنية عمان ، بموعد الندوة حتى يتسنى له الحضور ، و الحقيقة أنني لم أبلغه لثقتي في أنه سيحرص على الحضور و سيتكبد مشقة السفر حتى يحضر ندوة تتحدث عن رفيق عُمره و نضاله " فهمي حسين " ، لم أُبلغه إشفاقاً مني عليه في هذه المرحلة من العُمر ، لكني ما أن جلست إليه اليوم ، و كما أجلس إليه كُل بضعة شهور حين يحضر إلى القاهرة ، أدركت سذاجة ظني و فداحة خطأي ، وذلك حين وجدته ، ككُل مرة ، و كما عرفته مُنذ نعومة أظافري ، يُغرقني في حماسه و حديثه عن مُعضلات وحدة اليسار المصري ، و عن عبد الناصر و إنجازه الثوري و أُممية زعامته ، و عن الثمن الذي يُصر الغرب الإستعماري حتى اليوم أن تدفعه مصر ثمناً لدورها في العهد الناصري في تحرير إفريقيا و العرب و العالم الثالث ...
إستأذنته في الإنصراف على وعد و أمل في لقاء قريب ، و مضيت كالمأخوذ تجتاحني ذكريات و مشاعر لا سبيل إلى ترويضها و وضعها في سطور أكتبها هُنا ، و كُنت أتمنى أن أفعل ، لكن ليس إلى ذلك من سبيل فأتمنى أن يصلكم بعض مما أعني و أشعُر .
طارق فهمي حسين
نوفمبر ٢٠١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق