الجمعة، 8 ديسمبر 2017

٤- السامر من جديد .

4- السامر من جديد
============ 


مر عقدٌ كامل من الزمان و رُبما فوقه سنة أو إثنتان حين عُدت لأخطو إلى عتبات مسرح السامر بالعجوزة من جديد ، ليستقبلني مُجدداً " الريس " عبد الرحمن الشافعي ذلك الناسك في محراب المسرح و الفن الشعبي و الثقافة الجماهيرية ، إستقبلني بنفس البشاشة القديمة و شرفني بالمُشاركة بدور صغير في أوبريت " الشحاتين" عن "أوبرا الثلاث بنسات" لبريخت و من إعداد و مُعالجة الشاعر الغنائي عزت عبد الوهاب و بالطبع من إخراج عبد الرحمن الشافعي ، و بطولة جمال إسماعيل و أحمد راتب و عايدة فهمي و كوكبة من نجوم السامر و شبابه .. و كان العرض في شهر رمضان بحديقة الخالدين بالحُسين ، لكن البروفات كانت تجري على مدار شهور قبلها على مسرح السامر ذاته حيثُ تعرفت على عالم السامر الساحر عن قُرب و شاهدت هُناك محمد أبو دراع و فاطمة سرحان و عدد من أساطين بل أساطير الفن الشعبي و عالمه الرائع الخلاب ، و تعرفت على زهرة شباب هواة المسرح و عشاقه الحقيقيون منهُم من سبق لي ذكرهُم و الذين شاركت معهم فيما بعد في مهرجان شباب العُمال على النحو الذي أسلفت ، و منهم أيضاً آخرون لا يقلون عنهم روعة و نقاءاً ، فزاملت من المُمثلين الصديق محمد حسن ( د. محمد حسن المُخرج و المُمثل ) و محمود حسن الذي كان يتمتع بخطوات جميلة على خشبة المسرح ، و محمود بشير و محمد أحمد و الطوخي و محمد عبد الرازق و محمد قشطة و العديد من الأسماء التي رُبما لا يعرفها الكثيرون لكنها كانت بمثابة ملح الأرض في عالم المسرح و الثقافة الجماهيرية ، و لا أنسى أحد مُساعدي المُخرج ذلك الشاب جميل الطلعة أُسامة جانو الذي كان يأخُذ كُل ما يوكل إليه من مهام على أقصى درجات الجدية و التفاني ، حتى كانت ليلة العرض الأول على المسرح المنصوب بحديقة الخالدين بالأزهر و أُسامة جانو يقف في أحد الكواليس وقفة قائد ميداني و يصيح متوعداً : " الكالوس اللي فيه أُسامة جانو ترمي فيه الإبرة ترن " و ما أن بدأت موسيقى الإفتتاح حتى وجدت أُسامة جانو و قد شرع في الرقص على أنغام محمد نوح نشواناً و مُفصحا عن مواهب دفينة و حُب صوفي للمسرح !
في كواليس العرض كان بيننا شاب صغير طويل القامة إسمه سعيد نجيب كان بعض الزُملاء يتندرون مُكذبين " إدعاءه " بأنه إبن خال سندريللا الشاشة العربية سُعاد حُسني ، و كان سعيد يؤكد أنه لا يكذب و لما طال الجدل طرأت لي فكرة ، و كُنت أعرف مُنذ سنوات إسم السيدة والدة سُعاد حُسني (جوهرة ) و ذلك من حكايات القديس عبد الرحمن الخميسي في بيروت ، فكتبت الإسم في ورقة و طويتها و أعطيتها للزُملاء المُكذبين ، و سألت سعيد عن إسم عمته فأجاب بالإسم الصحيح ، و حين فتحوا الورقة كان ذلك بداية مرحلة جديدة من التعامُل بينهم و بين سعيد ، و الذي كان يستحق في الأساس مُعاملة طيبة لشخصه بصرف النظر عن قرابته للسندريللا ، فيما بعد أصبح سعيد نجيب مُخرجاً تلفزيونياً مُميزاً .
من طرائف ذكريات تلك الأيام ما كان يفعله صديقي ( النقاش / المُمثل ) شريف الخواجة و نحن نمُر بالسيارة في شارع الأزهر في طريقنا إلى بيوتنا بعد العرض ، حين كان شريف يُخرج رأسه من شباك السيارة و يصيح في جموع المُشاة الكبيرة في ليالي رمضان : " إحنا راكبين عربية و إنتو ماشيين على رجليكو يا فُقرا يا ولاد الـ ... " و ينفجر ضاحكاً ، في حين كانت عبارته تلك تُصيبني بالذهول و تدفعني للتأمُل فيما وراءها من دوافع و معان !
في إحدى ليالي العرض تم إبلاغنا بإحتمال حضور وزير الثقافة ( المُزمن ) وقتها للعرض ، و لكن حل موعد بدء العرض و بعد بعض الإتنظار و مع بدء تملمُل الجمهور الغفير الذي كان يملاْ سُرادق العرض الكبير عن آخره ككُل ليلة أعطى " الريس " الإشارة لبدء العرض ، و لكن بعد مرور نحو رُبع الساعة من بداية العرض ، و على خلاف توقعات صمويل بيكيت ،حضر " جودو " بالفعل ، أقصد الوزير المُنتظر ، و هنا حدث ما أثارذهولي إذ أمر المُخرج من خلف الكواليس بتثبيت المشهد و بالفعل تحولنا على المسرح إلى تماثيل من الشمع ، و أرسل المُخرج يستفسر عن رغبة الوزير في أن نُعيد ما فاته من مشاهد أي أن نبدأ العرض من أوله مرة أُخرى أم نستكمل من حيثُ توقفنا ؟ فكان ان إستكملنا العرض من حيثُ " فكسنا " حسب التعبير / التعريب المسرحي الشائع ، و كان هذا أول موقف أراه سلبياً من وجهة نظري لذلك الرجُل القوي الكبير كما كُنت أراه دائماً ، لكني في تلك المرحلة من شبابي و مع فرط حماستي وقتها يبدو أنني أغفلت أنه على الجانب الآخر من كونه مُخرج و فنان ، فهو أيضاً موظف كبير في وزارة الثقافة له إلتزامه الوظيفي بإيجابيات و سلبيات ذلك الإلتزام . 
*** 
و للحديث بقية ...
طارق فهمي حسين
١٣ أكتوبر ٢٠١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق