الأحد، 24 ديسمبر 2017

عيد ميلاد " زيكو "

عيد ميلاد " زيكو "


اليوم عيد ميلاد أخي و صديق عُمري م. زكريا نظيف
و هاتين الصورتين لا تُمثلان كُل عُمر صداقتنا ، فالأقدم فيهما ليست أقدم ما بيننا ، بل أننا وقت هذه الصورة كُنا أصدقاء “ من زمااان “
كما أن الصورة الأحدث فيهما ليست أحدث ما بيننا ، فالصورة مضى عليها عدد لا بأس به من السنوات
عرفت “ زيكو “ في نحو سن الحادية عشرة و نشأنا معاً إخوة وأصدقاء في النادي و الحي السكني ، تبادلنا الزيارات المنزلية مبكراً فدخل كلانا في نسيج أسرة الآخر ، و تبادلت أمهاتنا صواني الحلويات منزلية الصُنع ، و تبادلتا الحب و الإحترام و الرضا عن صداقة الأبناء .
كنت حين أزوره منذ المرحلة الإعدادية فالثانوية فالجامعية و ما تلاها أجلس معه مبهوراً في حضرة والده العظيم الراحل عمي محمد مُنيب نظيف ذلك الرجُل النادر هاوي التصوير الفوتوغرافي إلى حد الإحتراف ، نستمع سوياً إلى أحاديث ذكرياته و عُصارة حكمة الحياة التي عاشها و يُقدمها لنا بود و تواضع .
لم تجمعني بزكريا زمالة دراسة في أي من مراحل التعليم المدرسي أو الجامعي ، لكن من خلاله أصبح زُملاء فصله من الحضانة و حتى بكالوريوس الهندسة ، أصبحوا ضمن دائرة أصدقاء عُمري الضيقة جداً … حُسام و شريف ، و شريف و علي ، و طارق .
أثناء دراسة زكريا بهندسة القاهرة رأى وبعض من زملاءه أنهم يحتاجون لدراسة اللُغة الألمانية لتساعدهم في تخصصهم ، و كنت قد تخرجت من شعبة الاقتصاد بجامعة الأسكندرية و لم ألتحق بعمل بعد ، فذهبت معهم إلى معهد جوته لتلقي كورسات اللُغة الألمانية ، دون إحتياج حقيقي بالنسبة لي سوى أنها فُرصة للمزيد من الوقت في صُحبة زكريا .
في أحد أعياد ميلادي أهداني زكريا زجاجة عطر من ماركة “ بينو سلفيستر “ الشهيرة في ذلك الوقت و التي كانت البارفان المُفضل لزكريا ، و منذ ذلك الحين أصبحت “ بينو سلفيستر “ ضمن “ مُعتقداتي “ الحياتية ، و صارت لها معي قصة من قصص العُمر و أسراره !
كان زكريا دائماً يُصلي الجُمعة في” جامع جركس “ بشارع صبري أبو علم ، و كان لقائنا معظم أيام الجمع ( زكريا و شلة “ الفرير “ و أنا ) يحدده زكريا بأن نصلي الجمعة في هذا المسجد و نلتقي بعدها لنتوجه إلى أي مكان نحدده ، و أحياناً لو لم يسمح الوقت كان اللقاء يقتصر على وقفة مطولة بعد الصلاة أمام المسجد و حديث لا ينقطع ثُم ننصرف ، حتى أننا جميعاً أطلقنا على هذا الجامع - و حتي اليوم - جامع زكريا ، و أتذكر أنه في إحدى الفترات كان الفريق يوسف صبري أبو طالب مُحافظاً للقاهرة و كان يُصلي الجمعة دائماً في “ جامع زكريا” ، فكان زكريا في كُل جُمعة بعد الصلاة يستوقفه و يطرح معه إحدى المُشكلات و كنا نتحلق حول الرجل الذي كان ينصت لزكريا باهتمام و إعجاب و يناقش معه الأمر المطروح ، ليعود زكريا في الجمعة التالية ليستوقفه و يتابع معه ما تم في الموضوع ، و هكذا !

بعد الإنتهاء من الدراسة الجامعية قرر زكريا الهجرة من مصر بحثاً فقط عن الحياة المُتحضرة الكريمة ، ولا سواها ، تجمعنا في بيت أُسرته الكريمة لنحتفي به و نودعه ، كان الموقف مؤثراً للغاية ، و يفوق الطاقة العاطفية لعدد من الأصدقاء في أوائل العشرينيات من العُمر جمعتهم جُل سنوات العُمر و يقفون على أعتاب فراق أجمل من فيهم … وضع زكريا كاميرا فيديو ضخمة على حامل في رُكن الغُرفة و طلب من كُل منا أن يُسجل له كلمة تذكارية “ليجتر” مُشاهدة الشريط في غُربته .
حين جاء دوري ، غالبتُ دمعي و استجمعت عزيمتي و تلوت عليه - ناصحاً - رُباعية صلاح جاهين :

خوض معركتها زي جدك ما خاض
صالب و قالب شفتك بامتعاض 
هي كده ما تنولش منها الأمل 
غير بعد صد و رد و وجاع مخاض

            عجبي

كُنا - ز
كريا و أنا - نشترك معاً - ضمن ما نشترك فيه مما لا حصر له - في ذوقنا في الإستماع ، و كنا - حرصاً على “ الكواليتي “ نشتري سوياً نُسختين مما يقترح أحدنا على الآخر من أشرطة الكاسيت … شرائط علي الحجار الأولى ، و محمد نوح ، و محمد مُنير ، و رُبما فريقي الآبا و بوني إم ، و رُباعيات صلاح جاهين التي كانت دائماً أشبه بدليل للحياة بالنسبة لنا …
سافر “ زيكو “ إلى لندن ، و منها إلى تورنتو - كندا ، و حصل على الجنسية الكندية ، لكنه ظل دائماً يعود إلى مصر ليُصلي في “ جامع زكريا “ و يجلس بين” شلة الفرير + أنا “طارحاً أسئلته الاندهاشية ، والوجودية أحياناً ، و التي لا تنتهي و لم تنته حتى يومنا هذا .
و في كُل عودة كان زكريا يُحضر لي الهدايا الشخصية رفيعة الذوق و التي تُشبهه ، فهذا قميص من لندن بلوني المُفضل ، و تلك كوفية كشمير خضراء ، و هذا برواز خشبي عليه شعار مدينة تورنتو ، بل أنه أحضر لي يوماً نُسخة من إعلان ترشحه لإنتخابات النادي المصري في كندا ، و التي كان شعاره فيها :
“ Just say yes “
، والتي اجتازها بنجاح بالمُناسبة
و غيرها من الهدايا التي مازلت أحتفظ بها جميعاً حتى يومنا هذا باستثناء القميص بحكم الإستهلاك 
حين أراد زكريا أن يتزوج و يبني أُسرة لم يجد إلا مصر ليختار منها شريكة حياته ، فكانت الزوجة الفاضلة و الذُرية الصالحة ، و بعد بضع سنوات قضاها و أسرته الصغيرة في كندا ، شد الرحال و عاد إلى جذوره ، و عدنا جيراناً من جديد لكن هذه المرة في حي آخر ، واستؤنف بيننا ما لم ينقطع أصلاً ، وإن كان بإيقاع أهدأ بحُكم السن والأعباء العملية و العائلية لكننا مازلنا ، و سنظل ما منحنا الله من عُمر علي ذات الموجة و لهفة اللقاء و نشوة المحبة الصافية ، و ستظل جلسات زكريا و” شلة الفرير + أنا “ إحدي الواحات القليلة الوارفة التي نلتقط فيها أنفاسنا من هجير الحياة
و سيظل زكريا يطرح أسئلته الإندهاشية ، و الوجودية أحياناً ، و سيظل يضحك ملء شدقيه على سُخريتي المريرة ، و سيظل - كما عودنا - يفشل في إكمال إلقاء نُكتة سمعها دون أن يُقهقه في مُنتصفها فيعجز عن إتمامها كدأبه على مدار ما يقرُب من نصف قرن !!!
كُل سنة و إنت طيب يا زيكو يا أخي الحبيب الغالي و عُقبال ١٠٠ سنة صحة و سعادة و أماني مُتحققة و سترٌ و رضا من الله
و أُذكرك و أشدد عليك :
خوض معركتها زي جدك ما خاض
صالب و قالب شفتك بامتعاض
هي كده ما تنولش منها الأمل
غير بعد صد و رد و وجاع مخاض
عجبي
( صلاح جاهين )
=====
                                                                                                                                       أخوك 
طارق فهمي حسين
٢٣ ديسمبر ٢٠١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق