هوية مصر .
======
هذا المشهد - اليومي - الموجود بالصورة هو من أحد الشوارع الرئيسية بحي المهندسين ، الساعة لم تكد تبلغ السابعة صباحا و هذه بعض حصيلة الليلة السابقة ، و لولا صعوبة التصوير أثناء قيادة السيارة لعرضت لكم صورا أكثر " تعبيرا " فبطول الطريق من المعادي إلى المهندسين تنتشر علب الليل خاصة على ضفاف النيل الأسيف مباشرة ! على كورنيش المعادي و على كورنيش الجيزة المعروف بالبحر الأعظم و كذا بعد نفق كوبري عباس و تحت و قبل و بعد كوبري الجامعة وصولا إلى بعض شوارع المهندسين الداخلية !أتحدث هنا عن خط سيري اليومي من البيت إلى العمل و ليس عن عموم " شبكة " الكباريهات و العائمات النيلية التي تغطي العاصمة و سواها و التي تتزايد أعدادها بإطراد !هذه الإماكن تنهي " عملها " يوميا حول السابعة صباحا ، و الناس تسعى إلى أعمالها في بواكير الصباح تستقبلها مشاهد الخارجون من هذه المواخير ... رجال سكارى مصريون و عرب ، راقصة ببدلة الرقص العارية تضع على كتفيها بالطو أو رداء ما ، فتيات دون العشرين شعورهن الخشنة مصبوغة بأكثر الألوان فجاجة و وجوه ملطخة بالأصباغ و ملابس تكشف إكثر مما تستر !!! رجال مفتولي العضلات ينتشرون عند مخارج تلك الأماكن و عدد كبير من السيارات الفارهة و المتوسطة و التاكسيات تتكدس أمام المخارج و تسبب أزمة مرورية في توقيت كل الطرق فيه رائقة !خاصة في الصيف !من المفارقات المستفزة أن إحدى العائمات الساهرة هذه ، و التي شاهدت أمامها يوما " خناقة " بين عدد كبير من السكارى ذوي البشرة و الملامح الإفريقية ، هذه العائمة أو - للدقة - الكباريه العائم ، تربض ملاصقة تماما لكنيسة السيدة العذراء الأثرية الكائنة على ضفة النيل عند المعادي ، هذه الكنيسة هي إحدى معالم مسار العائلة المقدسة في مصر !و لا أفهم كيف تأتى هذا الجوار ؟ و ما موقف رعاة الكنيسة من هذا الوضع ؟ و ما رسالة دور العبادة في المجتمع إذن ؟!!!قد يرى البعض أنني أتقمص هنا دور الوعاظ و أرتدي مسوحهم ، لكن واقع الأمر أنني ، و بالإضافة إلى الوازع الديني و الأخلاقي ، و الذي أصبح البعض ينظر إليه على أنه دعوة للتخلف و كبت الحريات !!! فإن لدي دوافع أخرى أراها وجيهة ، من ذلك غيرتي على وطني الذي يمتلك كل الإمكانيات السياحية المعروفة و غير المعروفة ثم ينحصر نشاطه في سياحة المواخير و الـ ...
و من ذلك أيضا الإستفزاز المبالغ فيه و الذي تمثله هذه المشاهد في تلك الساعات المبكرة من الصباح التي أراني و أرى غيري من المصريين و قد بكرنا فيها بالنزول سعيا إلى الرزق الحلال و العمل الجاد ... أرى بائع اللبن و رجل المرور و كناسوا الشوارع و بائع الخبز بدراجته و أقفاص الخبز المتراصة فوق رأسه كما رصده شاعرنا أمين حداد :
" العيش المترصص على ست سبته راسيين بحوايه
على راس الولد اللي يسوق العجلة "
كما أرى تلاميذ المدارس و طلاب الجامعات و أساتذتهم و عمال المصانع و موظفي الحكومة ، و الواقفون في هجير الحر يرصفون الشوارع و يرفعون البناء ، و إذا خرجت من المدن أرى فلاحي مصر يخرجون من صلاة الفجر رأسا إلى الغيطان يحرثون و يبذرون و يحصدون ... فما مكان أولئك السكارى والعرايا وسط كل هذه الصور؟ و أي هوية لمصر تعبر عنها تلك الصورة المخزية ؟ لا و الله فليس هذا هو التنوع ، و ليست تلك هي الحُرية ، و ليسوا هؤلاء هُم " الآخر " الذي نُطالب بالتعايش معه و مع سلوكياته و " نشاطاته "
و أخيراً ففي كُل ما سبق عمدت إلى أن لا أتحدث عن " البركة " و ما قد يسببه كُل ذلك ( و سواه مما حدث و يحدث ) من " نزع البركة " من حياتنا المصرية و ذلك حتى لا أُتهم " بالدروشة " !!!
طارق فهمي حسين
29 أغسطس 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق